• لبنان
  • الثلاثاء, آب 19, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 12:46:50 ص
inner-page-banner
مقالات

نوّاف سلام "الغريب"... لماذا لا يدافع عنه "نادي الأربعة"؟

نورما أبو زيد ـ نداء الوطن

في الحكومة التي شكّلها في العام 2005، كان فؤاد السنيورة في سردية معارضيه، كائنًا فوق طبيعي، وشبحًا سلطوي، وشيطانًا كريهًا كإبليس. حين تنظر إلى صورته لا ترى وجهًا، بل قناعًا للنهب والفساد والتبعية والارتهان.

اليوم، يُستعاد النموذج نفسه، لكن مع "رشّة تخوين زيادة". يُصهين نواف سلام. يُشيطن. تُداس صوره في الساحات، وتلوك سمعته ألسنة جاهزة للتخوين.

"نواف سلام صهيوني"... بالمعنى الغليظ للعبارة وبالصيغة الأكثر فجاجة. هكذا تُرسم له صورة مباشرة، خالية من التركيب، كما لو أنّ غولدا مائير نهضت من قبرها لتتقمّصه، ولا حاجة إلى أدلّة، ليُعلّق عليه هذا الاتّهام.

وجهٌ نظيف في مرآة ملوّثة

لكن السردية تبقى هشّة، ضعيفة البنية، فارغة من أيّ عمق... لا سيرة سلام الذاتية في محكمة العدل الدولية تُسعف خصومه. ولا نزاهته تَشفع لمعارضيه. فهو المتحصّن بيسارية صلبة. وهو المترفّع عن الوحول. وهو المتمنّع عن التكسّب. وهو المنحاز لأخلاق الدولة لا لأحلافها. وهو بالطبع ليس المسؤول اللصّ الذي يمدّ يده إلى الجيوب، ليقنص ويسرق. بل هو نقيض ذلك تمامًا: وجه نظيف في مرآة ملوّثة. ورغم كلّ صفاته وصفر صفقاته وزلّاته، يبدو نوّاف سلام كمن قُطع من شجرة النسب السياسي. فلا ظلّ من زعامة وراثية يدافع عنه. ولا عصبة مذهبية تحرس صورته، لا لشيء إلّا لأنّه عابر، ولأنّ وجوده في السراي قد يتحوّل إلى دائم.

نادي رؤساء الحكومات غائب

فأين هو نادي رؤساء الحكومات من الإهانات التي تُكال لنوّاف سلام؟ أليس نوّاف سلام رئيسًا للحكومة؟ أليس ابن الطائفة التي ينتصب هذا النادي باسمها، ويرتفع صوته عاليًا على منابرها؟ لماذا يصمت من صدّعوا آذاننا بكرامة الموقع السنّي الأوّل وحرمة المقام؟ وهل يكفي أن يظهر فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي في اجتماع عبر تقنية "زوم" مع الرئيسين السابقين أمين الجميل وميشال سليمان، لا ليدينوا بوضوح الإساءات والشتائم والاعتداءات التي طاولت نوّاف سلام، بل ليقولوا مواربةً إنّ تصعيد الشيخ نعيم قاسم يعيق استعادة الدولة، كمن يصطاد المعنى من خلف ستارة؟

هل لأنّ نوّاف سلام ليس ابن الطاعة؟ لا يبايع، ولا يصطف؟ هل لأنّ هذا النادي لا يحتمل الغريب، ولا يطيق المستقلّ، ولا يغفر للذي لا يبايع؟

منذ تأسيسه قبل 11 عاماً، قدّم نادي رؤساء الحكومات نفسه، باعتباره مؤسّسة معنوية، واسعة الصلاحية، ضيّقة العضوية. يُدافع عمّا يعتبره مقام السنّة في السلطة. لكن ثبت بالتجربة المحسوسة، أنّه لا يتحرّك، إلاّ وفق خطوات محسوبة، ولا يدافع إلاّ عن منتسبيه. ولأنّ نوّاف سلام لا يشبههم، يبدو بنظرهم كما لو أنّه لا يستحقّ الدفاع.

أربعة فقط تمكّنوا من دخول نادي رؤساء الحكومات: فؤاد السنيورة، تمام سلام، نجيب ميقاتي، وانضم إليهم سعد الحريري في وقت لاحق. ولكن، أين هم اليوم؟

ـ فؤاد السنيورة، السنّي الأضعف شعبيًا، والأدهى سياسيًا، غادر السراي قبل 16 عامًا، ولا يخفي حنينه إليه، ولو عبر صدفة سياسية عابرة. لكن الطريق إلى رياض الصلح مقطوعة بقرار من سعد الحريري.

ـ تمام سلام، غادر السراي قبل 9 سنوات، ويبدو كمن اختار طواعية عدم العودة. لا يشاكس، ويوحي بصمت الواثق أنّ لا مشكلة لديه في التزام بيته، وكأنّ السياسة بالنسبة إليه مهمّة عابرة، وليست قدراً دائماً.

ـ سعد الحريري، السنّي الأقوى شعبيًا، غادر السراي قبل 6 سنوات، وعلّق عمله السياسي قبل 3 سنوات. لا يخفي رغبته في العودة إلى "جنّة" السراي والسلطة، ولكن الأرجح أنّه سيبقى في "المنفى" بقرارٍ خارجي غير شخصي.

ـ أمّا نجيب ميقاتي، فغادر السراي قبل أشهر، لكن عينه لا تزال على بوابته. وقد كان لفترة غير بعيدة الأكثر حظًا.

إذن، ثلاثة من أربعة رؤساء حكومات، لم يغادروا السراي طوعًا. خرجوا منه مؤقتًا، لكن أعينهم ما زالت عليه، وقلوبهم مشلوحة على "براطيش" بواباته.

اتّفاق غير مكتوب على الغياب المتبادل

أمّا نوّاف سلام، فحاله كحال حسّان دياب. لا أحصنة النادي الأربعة وجّهت إليه دعوة، ولا هو عبّر عن رغبة بالانضمام. كأنّ بين الطرفين اتّفاقًا غير مكتوب على الغياب المتبادل. الأحصنة الأربعة لا يضيفون كرسيًا خامسًا، وسلام لا يطرق الباب، ولا يتقدّم بطلب انتساب.

ولكن، لماذا لم ينضمّ نوّاف سلام إلى النادي؟ ولماذا لم يدافع عنه النادي؟

منذ أن وطأت قدماه السراي الحكومي، بدا نوّاف سلام عابرًا للطوائف، بعدما أفرغ جيوبه من أثقال الطائفية والمذهبية. لا لغة الجماعة تقيّده، ولا انتماء الزعامة يُلزم خطاه وخطابه. دخل السراي لا بوصفه ممثّل طائفة، ولا بوصفه وكيلاً لسعد الحريري، بلّ مسؤولاً يتصرّف بوهمٍ نبيل، كما لو أنّ في لبنان دولة.

يقدّم سلام أداءً يشبه الجمهورية الثالثة: مسؤولية بلا زعامة، ودولة تُبنى على المؤسّسات لا على الأشخاص. نموذج بلا ولاءات ثقيلة، ولا إرث طائفي متضخّم.

في المقابل، لا تزال بصمة منتسبي نادي رؤساء الحكومات، مطبوعة في جسد الجمهورية، وأحمالهم السياسية الثقيلة، وتحالفاتهم المتشابكة، لا تسمح لهم بمواكبة جمهورية جديدة تُبنى من خارج السياق الموروث. وقد أثبت لهم سلام بوجوده الهادئ، وأدائه الهادف، أنّ "الأمّة" لا تتعطّل إن غابوا. حاول دياب قبل سلام أن يكسر هذا الاحتكار، لكنه كُسِر. دخل السراي بذهنية الجمهورية الثالثة، من دون أن يأخذ بالاعتبار أنّه في الجمهورية الثانية.

نجيب ميقاتي يكسر المكوى

يقول مصدر نيابي تغييري، إنّه في ذروة الفتور بين الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام، كان نجيب ميقاتي يكوي بدلته كلّ صباح، في طقس يومي يشبه التمرين على العودة. ولكنّه على الأرجح كسر المكوى، مذ سار كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في خطين متوازيين، يلتقيان بثبات عند حصر السلاح، وإصلاح الإدارة، واستقلالية القضاء. وإذا نجح مجلس النواب في إقرار اقتراع المغتربين لـ 128 نائباً، فالأرجح أن يأتي برلمان 2025 بنوّاف سلام رئيساً للحكومة مجددًا، بولاية ثانية.

هكذا، حين تُفكّك سردية العزل، وتُقرأ بإمعان مقاييس الاحتضان، يبطل عجب عدم الاحتضان لـ "الغريب" نوّاف!

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة