جويل عبد العال ـ الأخبار
يحرم الاحتلال أهالي العرقوب الذين يعيشون بغالبيتهم على الزراعة وتربية الماشية والنحل، من الوصول إلى أراضيهم. ويكرس بذلك خنق الأهالي اقتصادياً تمهيداً لتهجيرهم
يواجه أبناء القرى الجنوبية الحدودية، ولا سيما 270 عائلة في كفرشوبا و200 عائلة في حلتا وغيرها مئات العائلات في شبعا ومنطقة العرقوب، حملات منظمة للتهجير القسري.
وهي لا تتوقف عند الاستهدافات الإسرائيلية المباشرة والمتكررة عبر الطائرات المسيّرة والرصاص والقنابل والخطف المباشر، وإنما تمتد إلى الخنق الاقتصادي لإجبارهم على البحث عن مصدر رزق خارج الجنوب.
يحصل هذا عبر حرمان غالبية العائلات التي تعيش على الزراعة وتربية الماشية والنحل من الوصول إلى أراضيها، في شكل من أشكال الاحتلال المقنّع. وحول ذلك، يقول رئيس اتحاد بلديات العرقوب ورئيس بلدية كفرشوبا قاسم القادري: «كنا نتحدث عن الاحتلال في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، أما اليوم، فقد أصبحنا أمام مناطق جديدة تمنع عنها الحركة بفعل النيران وغطرسة العدو الصهيوني، ما يهدّد بتحويلها إلى أراضٍ شبه محتلة بحكم الأمر الواقع».
منذ عملية «طوفان الأقصى» قبل سنتين، «لم يحصد كثيرون في كفرشوبا زيتونهم، كما يفعلون في كلّ موسم، بسبب الخوف من إطلاق النار المباشر عند الاقتراب من الكروم في المناطق الحدودية»، بحسب الأستاذ المتقاعد خليل قصب من كفرشوبا، الذي خسر 200 شجرة زيتون يملكها في عمليات جرف طالت مئات أشجار الزيتون المعمرة في منطقة عذرايين.
وفي حلتا، حيث يعتمد الكثير من الأهالي على زراعة الزعتر كمورد رزق موسمي، حالت القيود الإسرائيلية دون الوصول إلى حقول الزعتر في «المناطق المحظورة».
ويروي عمر كيف زرع مع عائلته حقولاً كاملة، ولكن إطلاق النار المتكرر من مواقع العدو منعهم من الحصاد. وعندما تمكنوا أخيراً من الدخول، وجدوا المحصول قد تلف و«هارّ عَ إمّه»، على حد تعبيره.
رغم الخسارة، عاد لزراعة الزعتر قرب منزله، لا للربح، بل للمونة، كحد أدنى من الاستمرار في دورة الحياة. مثله فعل الراعي والمزارع عمر عبد العال الذي أعاد زرع شجرة التين قرب منزله بعدما شطرها القصف الإسرائيلي إلى نصفين.
ولا تطال القيود الإسرائيلية حركة المزراعين فحسب، إذ نال مربو الماشية نصيبهم أيضاً من قطع الطريق إلى مناطق واسعة كانت تُستخدم للرعي، مثل منطقة شنوح التي باتت خارج المتناول.
عمر عبد العال نفسه حرم من رعي ما تبقى لديه من ماعز في الجبال لأنّه «عدا الخشية من الإصابة بالألغام التي يرميها العدو، مجرد النظر نحو موقع «رويسات العلم» يعرضنا لإطلاق نار مباشر». وهذا ما حصل فعلاً عندما حاول عمر الاقتراب من أرضه برفقة عائلته، ليطلق العدو النار عليه وعلى عائلته وأطفاله.
إضافة إلى ذلك، فقد عشرات مربي النحل مصدر رزقهم بسبب منعهم من الوصول إلى المناحل. عصام غالب، مربّي نحل من شبعا، فقد أكثر من 140 خلية نحل كانت مصدر رزقه الوحيد، بعدما منع من الوصول إلى أماكن وضعها. كما تسببت القذائف والحرائق في تلويث الجو وتدمير معظمها.
بعد سنتين من الانقطاع، لم يبقَ لديه سوى خليتين. يشعر محمد وسط تعديات الاحتلال أنه «سجين في وطننا، ونعيش احتلالاً فعلياً من دون أن يحرك أحد ساكناً»، مشيراً إلى أنّ «جميع المحاولات التي بذلتها بالتعاون مع قوات «اليونيفل» والجيش اللبناني لاستعادة خلايا النحل قوبلت بالرفض».
توسع إسرائيلي... وصمت لبناني
ولا يزال العدو حتى اللحظة يواصل توسعه وقضم المزيد من الأراضي الجنوبية، آخرها في خراج بلدة شبعا ومنطقة بركة النقار والسدانة، وبسطرة تحديداً، حيث، وبعد القصف المباشر على السكان، ألقى مناشير وخرائط تضم قسماً كبيراً من أراضي بلدة شبعا، وتحذر المواطنين من الاقتراب منها.
أما الحكومة اللبنانية، فتواصل صمتها، تاركة أهل الجنوب لمصيرهم، ما أثار غضب «هيئة أبناء العرقوب» التي استنكرت، في بيان سابق، «عدم تحرك الحكومة وسكوتها على ما قامت وتقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي في المناطق الجنوبية الحدودية من عملية قضم واحتلال لمزيد من الأراضي اللبنانية».
ويشير القادري، في الإطار نفسه، إلى أنّ «الدولة اللبنانية لم توفّر حتى اليوم أي ضمانات تحمي المزارعين الراغبين في العودة إلى أراضيهم لتفقدها وتجهيزها قبل موسم الزيتون، كما لا يوجد أي ضمانات تطمئن الناس أن الأراضي الممنوعين من دخولها اليوم ستبقى لهم»، لافتاً إلى أنه «وبطلب رسمي، تم تنظيم لوائح بأسماء الراغبين في التوجه إلى أراضيهم، إلا أن البلدية لم تتلقَ أي رد من الأمم المتحدة، ولا من قوات اليونيفل، ولا حتى من الدولة اللبنانية».
إزاء هذا الواقع الميداني وغياب أي ضمانات من الدولة اللبنانية، يحذر القادري من «ترسيخ الاحتلال وتوسّع رقعته»، مشدداً على ضرورة استمرار الأهالي في محاولة الوصول الى أراضيهم، ولو تدريجياً، لمنع فرض واقع جديد يكرّس التهجير القسري ويمنح العدو فرصة ضمّ هذه المناطق إلى نطاق احتلاله.
لذلك، «نحن، في البلدية، نقوم بزيارات ونعمل على حثّ أبناء البلدة، في ظل غياب أي ضمانات من الحكومة اللبنانية، على الذهاب إلى رزقهم وأراضيهم الزراعية التي كنا نصل إليها قبل الحرب، رغم الخطر، منعاً لتكريس أنها أراضٍ تخلّى عنها أهلها».
وهذا ما يحصل فعلاً، إذ يخاطر الأهالي بأرواحهم من أجل الحفاظ على أرضهم، في مشهد جديد من مسلسل الصمود، بعد العودة في كانون الثاني وشباط الفائتين، إلى القرى المدمرة وفي عزّ البرد، عندما «وضعنا النايلون والحرامات مكان الأبواب والنوافذ، فقط لنعود ونبقى»، ثم الصمود في ظل غياب البنى التحتية ومقومات العيش من انقطاع المياه والكهرباء والصرف الصحي وغياب التدفئة، والآن الصمود في وجه آلة القتل والتجويع والإهمال الرسمي.