• لبنان
  • الجمعة, آب 22, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 2:03:04 م
inner-page-banner
الأخبار

«نداء الوطن» تنشر الرواية الكاملة للإفراج عن صالح أبو حسين

داود رمال ـ نداء الوطن

طفت على السطح قصّة شغلت الرأي العام أمس وأخذت أبعادًا  واسعة تتعلّق بالإفراج عن صالح أبو حسين، وهو من عرب الأراضي المحتلة عام 1948. القصّة في جوهرها إنسانية بحتة، غير أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاول استغلالها سياسيًا وتقديمها للرأي العام في إسرائيل وكأنها ثمرة مفاوضات مباشرة مع الدولة اللبنانية، بينما الحقيقة عكس ذلك تمامًا.

تعود الحكاية إلى تموز 2024 حين قرّر أبو حسين بدافع الغضب من الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين واللبنانيين خلال الحرب، مغادرة إسرائيل. حاول الدخول إلى الأردن أوّلًا لكنه لم ينجح، فاختار التسلّل إلى لبنان عبر الحدود الجنوبية مستغلًا ظروف الحرب والفوضى الأمنية. ما إن دخل الأراضي اللبنانية حتى أوقفه الجيش اللبناني، لتبدأ سلسلة من التحقيقات الأمنية والقضائية التي أثبتت في النهاية أن لا شبهات أمنية حوله، وأنه ليس مجندًا في الجيش الإسرائيلي، بل كان دافعه الأساسي الرفض الأخلاقي لممارسات حكومته. بعد انتهاء التحقيقات، أُحيل ملفه إلى المديرية العامة للأمن العام، حيث أبدى رغبته في طلب اللجوء عبر اللجنة الدولية لشؤون اللاجئين التي دخلت على الخط لمحاولة توطينه في بلد ثالث. إلّا أنّ جميع المحاولات باءت بالفشل بعدما رفضت الدول المعنية استقباله. عندها تدخل الصليب الأحمر الدولي، وطرح خيار إعادته إلى عائلته في إسرائيل، لا سيّما أنّه لا يحمل أي ملف أمني أو شبهة تجسّس.

الإجراءات القضائية اللبنانية أخذت مجراها الطبيعيّ، فالقاضي جمال الحجار، مدعي عام التمييز، أعطى إشارته بالموافقة على الإفراج، بعد مراجعة السلطات السياسية والأمنية وعلى رأسها وزير الداخلية أحمد الحجار. القرار استند إلى كون الملف لا يحمل أبعادًا أمنية بل إنسانية بحتة، ولأن القانون لا يتيح إبقاء شخص موقوف من دون مسوّغ قضائي.

بعدها، أعيد أبو حسين من الأمن العام إلى الجيش، وسُئل مجدّدًا عن رغبته في العودة إلى إسرائيل بعدما تعذّر توطينه في بلد آخر. أجاب بالموافقة، معتبرًا أنّ العودة إلى منزله أفضل من البقاء في السجن اللبناني إلى أجل غير مسمّى. عندها جرى تسليمه إلى الصليب الأحمر الدولي الذي أتمّ الترتيبات اللوجستية لإعادته، بالتنسيق مع «اليونيفيل»، وعبر معبر رأس الناقورة الحدودي.

هذه القصة الإنسانية التي سارت وفق الأصول القضائية والإنسانية اللبنانية، تحوّلت في الإعلام الإسرائيلي إلى مادة دعائية لنتنياهو الذي سارع إلى الإيحاء بأن ما جرى هو ثمرة «مفاوضات مع لبنان». والواقع أن لا مفاوضات حصلت على الإطلاق، بل إن المسألة لم تخرج عن الإطار الإنساني الذي يعالجه لبنان بالتنسيق مع الصليب الأحمر الدولي والهيئات المختصّة، كما هو الحال منذ سنوات مع عشرات المزارعين ورعاة الماشية اللبنانيين الذين تعتقلهم إسرائيل ثم تُعيد إطلاق سراحهم من خلال الآليات الإنسانية ذاتها.

المفارقة أن نتنياهو، الساعي إلى تسجيل أي إنجاز تطبيعي ولو شكلي مع لبنان، وجد في قضية أبو حسين فرصة لتسويق صورة زائفة عن قدرته على «إعادة الأسرى» من لبنان. لكنه تجاهل أن أبو حسين لم يكن أسيرًا حربيًا ولا حتى معتقلًا سياسيًا، بل مواطنًا اتخذ قرارًا شخصيًا بالفرار من إسرائيل، ليجد نفسه في قلب أزمة إنسانية لم تُحلّ إلّا بالعودة إلى بلده الذي فرّ منه.

القصة تكشف بوضوح كيف يمكن لحادث فردي أن يتحوّل إلى ورقة دعائية في لعبة السياسة والحرب، وكيف يوظّف نتنياهو كل تفصيل صغير لإيهام جمهوره بأنه يحقق مكاسب في وقت تتعاظم خسائره لا سيما على المستويات الدبلوماسية والشعبية. أما لبنان، فقد تعاطى مع المسألة وفق قواعد القانون والسيادة والإجراءات الإنسانية، في مشهد يعكس فارقًا جوهريًا بين دولة تعاملت ببرودة أعصاب وشفافية مع ملف فردي، وحكومة تحاول النفخ في تفاصيله وتحويله إلى معركة انتصار.

بهذا المعنى، فإنّ الإفراج عن صالح أبو حسين ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة التناقضات التي تكشفها الحرب: بين الحقيقة والادّعاء، بين القانون والدعاية، وبين مأساة إنسانية فردية ورغبة سلطة مأزومة في تحويلها إلى رواية بطولية تخاطب الداخل الإسرائيلي، وبين جماعة لبنانية مأزومة ومهزومة ترتكب كل لحظة فعل التخوين ضد الشريك في الوطن وضد كل ما يمتّ إلى الدولة والقانون بصلة. 

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة