• لبنان
  • الخميس, آب 21, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 2:45:05 م
inner-page-banner
مقالات

تحالف الراغبين وتحالف المتخاذلين: مقارنة بين الموقف الأوروبي تجاه أوكرانيا والعربي تجاه فلسطين

د. صريح صالح القاز 

في خضمّ التحولات الجيوسياسية الراهنة، تتكشف الفروقات الصارخة بين طبيعة التحالفات التي تتشكل من أجل قضية ما، والغايات التي تنطلق منها، والإرادة السياسية التي تحركها.

فبينما اندفع الأوروبيون، بتفاوت مستوياتهم، نحو تشكيل ما عُرف بـ"تحالف الراغبين" لدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، ظلّ الموقف العربي تجاه فلسطين متأرجحًا بين الصمت والتواطؤ والخنوع، ليجسد ما يمكن وصفه بـ"تحالف المتخاذلين"، وهو التوصيف الأقرب لواقع العديد من الأنظمة العربية اليوم.

فعلى إثر الاستهزاء العلني الذي تعرض له الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي خلال زيارته للبيت الأبيض على يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه، لم تكتف بعض الدول الأوروبية بالموقف المتفرج أو بما كانت تقدمه سابقًا من دعم محدود، بل سارعت إلى تشكيل تحالف مستقل نسبيًا عن واشنطن، هدفه ضمان استمرارية الدعم العسكري والمعنوي والسياسي لكييف دون الارتهان للابتزاز الأمريكي.

واللافت أن هذا التحالف لم يتأسس على أساس عرقي أو ديني أو حتى تاريخي؛ فأوكرانيا ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي ولا في الناتو، ومع ذلك رأت فيها أوروبا ضحية تستحق الدعم، وعدّت روسيا خطرًا وجوديًا، فتحركت بإرادة وإصرار لنصرتها.

في المقابل، لدينا فلسطين: قضية شعب يُباد، تُصادر أرضه، وتُطمس هويته، وتُرتكب بحقه أفظع الجرائم الصهيونية وأشدّ أنواع الحصار. ورغم أن فلسطين جزء أصيل من الجغرافيا والثقافة والهوية العربية، وعضو في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، فإننا لم نشهد أي تحالف عربي فعلي لنصرتها؛ لا عسكريًا، ولا اقتصاديًا، ولا حتى دبلوماسيًا.

وفيما كان وما زال "تحالف الراغبين" الأوروبي يقدّم الكثير لأوكرانيا، وخاصة الأسلحة والذخائر لتظل صامدة أمام روسيا، ما زال "تحالف المتخاذلين" عاجزًا ليس فقط عن الضغط لإيقاف حرب الإبادة والحصار الجائر عن فلسطين، أو تقديم ذخيرة كلاشنكوف، بل حتى عن إدخال القليل من الطحين لإنقاذ الأطفال الذين تلتهمهم سياسة التجويع!

والأنكى أن الموقف العربي ظلّ عاجزًا متفرجًا، في الوقت الذي وقفت فيه إلى جانب فلسطين العديد من الدول والشعوب غير العربية وغير الإسلامية من مختلف قارات العالم، رسميًا وشعبيًا، واتخذت إجراءات ضد الكيان الإسرائيلي، كقطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، ورفع الدعاوى القضائية والجنائية في المؤسسات والأجهزة الدولية، وتقديم الكيان إعلاميًا للعالم كجلاد ومتمرد على الشرعية الدولية، لا كضحية كما كان يسوّق لنفسه. ولولا هذا الحراك غير العربي وغير الإسلامي لما صدرت مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه غالانت.

وتزداد المفارقة وضوحًا حين ندرك أن التهديد الروسي لأوكرانيا – رغم جديته – يبقى في مستوى الصراع التقليدي بين دولتين وجيشين. ورغم ما تبالغ أوروبا في وصفه بالإبادة والاحتلال الروسي، فإن الواقع ليس كذلك تمامًا، فروسيا لم تأت بمستوطنين إلى أوكرانيا، ومع ما تملكه من قوة صاروخية وجوية متفوقة ما زالت تحافظ على كييف والبنية التحتية الأوكرانية والشعب الأوكراني، ولم تطلق يدها بالكامل. وما ضمّته من أراضٍ إليها، وإن كان بتخطيط مدعوم منها، إلا أنه جاء عبر استفتاء ورغبة من سكان تربطهم بها روابط ثقافية ويتحدثون الروسية. ولو لم يكن هؤلاء راضين بالانضمام، لما تقدمت القوات الروسية بتلك السرعة شرق أوكرانيا، ولما ذهب العديد من قادة شرقها إلى موسكو لمباركة الانضمام ومبايعة الرئيس بوتين.

بينما التهديد الصهيوني لفلسطين والعرب تهديد استيطاني إحلالي اقتلاعي، يهدف إلى تمزيق الأرض وتهجير السكان وطمس الهوية وخلق واقع جيو-ديمغرافي جديد بالقوة والنار بحق شعب أعزل. وحين أدرك الأوروبيون أن أوكرانيا تمثل بوابة أمنهم الاستراتيجي، تداعوا لنصرتها، في حين أن كثيرًا من الأنظمة العربية لم تعد ترى في الصهيونية، رغم ما جرى ويجري، خطرًا وجوديًا، بل باتت تتعامل مع الكيان الإسرائيلي كوسيط نحو واشنطن، أو كضامن لبقائها ونفوذها. وكأن الكيان الإسرائيلي ليس مصرًّا على إنشاء "إسرائيل الكبرى" ليس على أرض فلسطين فحسب، بل داخل المنطقة العربية برمتها.

وهنا يجب التنويه إلى أن الشعوب العربية، في غالبيتها، لا تشارك أنظمتها هذا الخنوع أو التخاذل. فقد ظلت وما زالت الكثير من الجماهير العربية – رغم سياسة القمع والرقابة – تتفاعل مع فلسطين كقضية مركزية، وترى في الكيان الإسرائيلي عدوًا وجوديًا لا تفاهم معه. ولا علاقة لهذه الشعوب بالأنظمة الرسمية التي باتت تدير ملفاتها من زاوية الخوف على العروش، والسعي لتأمين الحماية الأمريكية بأي ثمن، حتى لو كان الثمن التخلي عن القدس وغزة والضفة، وعن الدم الفلسطيني ذاته.

قد يُقال إن "تحالف الراغبين" الأوروبي تحرك بدافع المصالح، وهذا صحيح جزئيًا، لكنه تحرك أيضًا بدافع الخوف على السيادة والتاريخ.

 أما "تحالف المتخاذلين" العربي، فلم يتحرك لا بدافع القيم ولا بدافع المصالح، بل وصل في حالات كثيرة إلى أن يتحرك ضد مصلحة أمته وضد ضميره وعمقه وهويته التاريخية.

الخلاصة

المقارنة ليست لتمجيد أوروبا ولا لتبرئة الغرب، بل لفضح عجز العديد من الأنظمة العربية وخنوعها أمام الصهيونية، والكشف عن حجم التناقض بين ما يجب أن يكون وما هو كائن. فإذا كانت أوكرانيا قد وجدت من يناصرها – رغم بعدها الثقافي والجغرافي – فإن فلسطين العربية ما زالت وحيدة، تتكئ على جراحها وتُذبح يوميًا على يد عدو بربري يحتضنه، للأسف، ويتواطأ معه بعض الأشقاء من أبناء العروبة.

وبكل أسى نقول: إن "تحالف الراغبين" يدافع عن دولة ليست منه ولا ترتبط به هوياتيًا وثقافيًا، فيما "تحالف المتخاذلين" تخلّى عن جزء من قلبه ووجوده ومصيره. ولكن طالما هناك قضية عادلة وشعب فلسطيني – عربي، بالملايين – متمسك بحقه في الحياة والوجود، فإن كل الأجندات والمخططات الاستيطانية والاستثنائية والطارئة ستسقط عاجلًا أم آجلًا.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة