• لبنان
  • الجمعة, آب 22, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 11:43:22 ص
inner-page-banner
مقالات

نواف سلام: من الغربة إلى الرمز السنّي

عيسى يحيى ـ نداء الوطن

في بلدٍ تتقاطع فيه الزعامات التقليدية والمصالح الطائفية، جاء الرئيس نواف سلام من عالم القضاء إلى عالم السياسة، ليقود الحكومة برؤية مستقلة. لم يكن معبرًا لأي حزب أو تحالف، لكنه يواجه العاصفة بشجاعة، متجاوزًا الانتقادات والهجمات، ليصبح شخصية سنية محورية، رمزًا للثبات والجرأة في مواجهة الاستهداف السياسي ورفض الخضوع والهيمنة.

لم يكن اسم الرئيس نواف سلام مطروحًا في البازار التقليدي لرئاسة الحكومات في لبنان، فالرجل لم يأتِ من كواليس الزعامات أو مجالس السياسة اليومية، بل من خلفية قضائية ودبلوماسية صرفة، حملت معها هالة من الاستقلالية والرصانة. وعند تسميته لرئاسة الحكومة، بدا وكأنه دخيل على النادي السياسي الذي اعتاد أن يفرز رؤساء الحكومات من عباءة تقليدية أو بيت محدد. وما إن تسلم مهامه حتى ترك وحيدًا في مواجهة التحديات، خصوصاً أنه لم يساير مطالب بعض القوى السنية خلال عملية التأليف، ما اعتبر تجاهلًا لمناطق شعرت بالتهميش، وزاد في الطين بلّة أن الوزراء الذين اختارهم لم يشكلوا خط الدفاع الأول عنه في ظل الهجمات عليه، بل بدوا متفرقين بلا رؤية سياسية واحدة.

ما غاب عن الجميع آنذاك أن الرجل يحمل مشروعًا مختلفًا سقفه استعادة الدولة وإعادة الاعتبار للدستور. هذا المشروع الذي لم يجرؤ أي من أسلافه على الإقدام عليه بوضوح، سواء خوفًا أو لحسابات داخلية، بينما اختار سلام المواجهة. وحين أقرت الحكومة قرار نزع السلاح، وجد نفسه في صلب عاصفة شرسة، إذ شن "حزب الله" عليه حملة تخوين غير مسبوقة، وصلت حد اتهامه بالعمالة والخيانة، وهو من أصدر مذكرة توقيف بحق رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق يوآف غالانت، قبل حرب أيلول بأشهر وقبل تسلمه رئاسة الحكومة.

غير أن هذه الحملة جاءت بنتائج عكسية على "الحزب"، فبدلًا من أن تكسر سلام وتضعفه، أعادت توحيد الطائفة السنية حوله. لقد شعر أبناء الطائفة السنية أن الاستهداف لا يطاله شخصيًا بقدر ما يطال موقع رئاسة الحكومة نفسه، أي المركز السني الأول في النظام اللبناني. وهنا وجد "حزب الله" نفسه من حيث لا يدري، أنه خدم نواف سلام في الاجماع الشعبي والسياسي حوله، فالرجل الذي كان ينظر إليه كغريب عن البيت الداخلي، تحول فجأة إلى رمز سني جامع، عنوانه الدفاع عن الكرامة السياسية في وجه الممانعة.

ساهمت هذه المواجهة في رفع رصيد الرئيس سلام، وجعلته يتجاوز الملاحظات السابقة حول غياب التمثيل المناطقي أو ضعف خياراته الوزارية. فالطائفة لم تعد تنظر إلى تلك التفاصيل، بقدر ما رأت فيه شخصية جريئة اتخذت قرارات تاريخية لم يجرؤ عليها أحد من قبله. وإن كان في الحملة عليه تجنٍ وظلم، فالقرارات تتخذ في اجتماع مجلس الوزراء وبموافقة الرئيس عون، ما يدفع للتساؤل عن سرّ الهجمة عليه واستضعافه وكأن لا ظهر له. وعليه باتت رمزية الرئيس سلام اليوم تتجاوز شخصه، لتصبح بمثابة استعادة للمعنى المفقود في رئاسة الحكومة منذ سنوات طويلة.

في جوهر الأمر، يدرك اللبنانيون أن نواف سلام لا يمثل حزبًا أو ميليشيا، ولا يعتمد على زعامة تقليدية وراثية، بل يستند فقط إلى شرعية الدستور والدولة. وهذا ما يجعله خطرًا على المنظومة القائمة، لأنه يمثل فكرة الدولة في مواجهة المشاريع الأخرى، وشرعية المؤسسات في مواجهة الفوضى والاستقواء، وهنا يكمن سرّ الهجمة العنيفة عليه، لأن أي نجاح له يعني بداية اهتزاز وانتهاء مشاريع كان آخرون يتعمدون بناءها منذ عقود.

اليوم، بات الرئيس سلام الرقم الصعب في المعادلة السنية، ليس لأنه الأقوى تنظيميًا وشعبيًا، بل لأنه الوحيد الذي نجح في إعادة الاعتبار لموقع رئاسة الحكومة، وحوّله إلى عنوان لمقاومة سياسية سلمية. وفي بلد تاه طويلًا بين صفقات التسوية وميزان القوى، استطاع سلام أن يفرض معادلة جديدة: "الكلمة في وجه الرصاصة".

وهكذا، من الغربة إلى الرمز، شق الرئيس سلام طريقه بثبات، وما كان يحسب عليه بالأمس، كونه خارج العباءة التقليدية، أصبح سرّ قوته اليوم، لأن التاريخ لا يصنع بالمسايرات، بل بالقرارات الجريئة التي تغيّر وجه المعادلات. 

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة