أحمد الأيوبي ـ نداء الوطن
أطلق مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان مواقفه الأعلى سقفًا منذ سنوات: "السنّة في لبنان أولًا ونحن أصحاب الدولة ولا دولة في لبنان بدون أهل السنّة، ونحن الحريصون على الأمن في هذا البلد ولا أمن فيه بدون الأمن للسنّة"، لتدور التساؤلات حول أبعاد هذا الموقف الذي تزامن مع كشف أنّ "المفتي الأكبر" سيزور سوريا ويلتقي الرئيس أحمد الشرع على رأس وفد من المفتين ورئيس المحكمة الشرعية الإسلامية العليا الشيخ أحمد عساف، وهذا ما جعل أبعاد ما يجري على الساحة السنّية مثار متابعة دقيقة بكلّ التفاصيل.
ليس تفصيلًا أنّ من يتحدّث عن موقع السنّة وحقوقهم هو مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وليس أحد قياديّي الحركات الإسلامية التي ربّما يصنّفها البعض بالتشدّد، فالمفتي دريان معروف بصبره "الاستراتيجي" وبأنّه يفضّل المعالجات الهادئة ويتبع التحفّظ في المواقف، ولم يكن ليتحدّث بمثل هذا السقف إلّا بعد أن وصلت التطوّرات إلى حالة لم يعد ممكنًا السكوت عليها، بعد أن وصله نبض الشارع السنّي، الذي بات يجاهر بمخاطر الإقصاء والتهميش في الوظائف والمواقع العامة، وقد أعدّ "مرصد حقوق السنّة" لائحة بما يزيد عن المئة موقع تعرّض فيه السنّة للإقصاء المكشوف، وما زاد الطين بلّة أنّ هذا المسار بلغ ذروته في التعيينات الأخيرة التي صدرت عن الحكومة وفي الأجهزة الأمنية والمواقع الرئاسية.
لماذا نطق مفتي الجمهورية بعد طول صمت؟ ولماذا دعا للمرة الأولى إلى اجتماع أعيان أهل السنّة في بيروت، بعد أن كانت مثل هذه الاجتماعات غير مرغوبة من قبله في مراحل سابقة.
الواضح أنّ تفاقم الأوضاع وتزايد الاحتقان في الشارع السنّي أوصلا الحال إلى وضعية القشة التي قصمت ظهر البعير، ويسود شعور عام بأنّ الوضع السنّي لن يبقى هادئًا إذا لم يلاقه أحد وإذا لم يعالج هواجسه مسؤول، وقد تصاعدت أصوات تحذّر من أنّ استمرار الاستضعاف للسنّة سيؤدي إلى طلبهم النجدة من الرئيس السوري أحمد الشرع.
وعلى هذه الخلفية، مع إضافة توجّه عربي واضح، تأتي زيارة المفتي دريان إلى دمشق ولقائه الرئيس الشرع، فقد تأخّرت هذه الزيارة، وكان الرأي العام السنّي ينتظرها في الأيام الأولى للإطاحة بنظام بشار الأسد، وتعرّض دريان طيلة هذه الفترة للانتقاد بسبب عدم الإقدام على زيارة الشام.
يتصاعد الحديث عن المفارقة في تصاعد نجاح السنّة في سوريا مع أحمد الشرع، واستمرار ضعفهم وتشرذمهم وغياب وعجز قياداتهم السياسية، خاصة النيابية منها، لأنّها لم تقارب المسألة السورية بما تستحقّ من اهتمام وجرأة، ليس من باب استدراج الوصاية، بل من باب تأكيد الوجود وصياغة المصالح المشتركة، والإفادة من المتغيِّرات والتحوّلات الجارية لاستعادة التوازن الوطني المفقود، بسبب مرحلة هيمنة الشيعية السياسية على البلد، وهنا تكمن إحدى أهمّ عُقَد الواقع السنّي المتخبِّط.
ربّما يستبق المفتي دريان حركة الشارع ويريد استيعابها، ويريد أن تبقى الأمور مضبوطة ضمن سقف الاستقرار، وهذا مطلب مُحِقّ ينبغي أن يتزامن مع اتّخاذ خطوات عملية تعالج المشكلة القائمة، فطالما تطلّع السنّة إلى نموذج المفتي الشهيد حسن خالد في جرأته واندفاعه الإسلامي والوطني، ولكنّ تحركات المفتي دريان لن تنجح إلّا بنهوض المجتمع المدني السنّي المستقلّ وقيادة سنّية جماعية بمشروع سياسي وطني يحمل عناصر الحياة والاستمرار، وإلّا فلن يتمكّن أحد من نجدة السنّة، لا من دمشق ولا من الرياض...
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..