• لبنان
  • الأربعاء, حزيران 04, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 9:29:14 ص
inner-page-banner
إسلاميات

محمد عياش الكبيسي ـ بوابة صيدا

أوصل لي أحد الأحباب فيديو فيه فتوى لأحد العلماء الأفاضل جوابا لسائل يسأله عن قاعدة: كل جهاد  فساده أكبر فهو فتنة

فكان جواب الشيخ حفظه الله:

(هذه قاعدة باطلة من قواعد إبليس، الجهاد مصلحته أخروية لا يمكن أن تكتشف في الدنيا لأنه عبادة مثل الصلاة والصوم والحج والعمرة) 

التعقيب: الظاهر من الجواب أن الشيخ يعتبر الجهاد أمرا تعبديّا، بدلالة قوله أن مصلحة الجهاد لا يمكن أن تكتشف في الدنيا، وبدلالة ربطه بالعبادات التعبدية المعروفة مثل الصلاة والصوم والحج والعمرة.

ولكي أبسط الأمر لغير المختص أقول:

إن التكليف الشرعي ينقسم على قسمين

1 ـ تكليف (معقول الغاية)، مثل التربية والتعليم، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعموم الأخلاق كالصدق والأمانة وبر الوالدين وصلة الرحم والإحسان إلى الجار، وكذلك كل أحكام السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية والاجتماعية ..الخ

2 ـ تكليف (تعبدي) غير معقول الغاية: مثل عدد الركعات، وفي كل ركعة ركوع واحد وسجدتان، والطواف بالكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، ووقت الإمساك في الصوم، ووجوب إفطار العيد..الخ

وأغلب الأحكام الشرعية هي من القسم الأول، حتى قال علماؤنا (الشريعة كلها مصالح، إما جلب منفعة، أو دفع مفسدة)

ومن علامات القسم الأول أن الناس هم الذين يحددون الوقت المناسب والصيغة المناسبة والوسيلة المناسبة، فطلب العلم واجب، نعم، وهو عبادة، لكن بناء المدارس والجامعات، وتقنين السياسات التعليمية ..الخ يحددها الناس، بما يخدم الغايات التى رسمها الشرع، ووفق القيم والمبادئ التي رسمها الشرع أيضا.

أما القسم الثاني فليس للناس أي دخل فيه، بل الزيادة عليه بدعة، فصلاة المغرب ثلاث ركعات تبقى كما هي إلى يوم القيامة.

إذا استبان الفرق بين القسمين، نأتي الآن لنسأل: هل يمكن أن يكون الجهاد من القسم الثاني (القسم التعبدي)؟

الحقيقة أن الناس هم الذين يضعون خطة المعركة ومتطلباتها ووقتها المناسب..الخ وهم كذلك الذين يضعون الأهداف والإمكانيات والاحتمالات والمآلات، بل لهم أن يغيّروا الأدوات التي وردت في الكتاب والسنة بأدوات جديدة، فالله تعالى يقول: (وإعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) ونحن لسنا مطالبين اليوم بإعداد الخيول، بل بإعداد الدبابات والطائرات.

بل لقد اختلفت صيغ الجهاد حتى في زمنه عليه الصلاة والسلام، ففي بدر تعرّض هو للعدو، وفي الخندق تجنّب المواجهة فحفر الخندق وفكر بإعطاء قسم من ثمار المدينة لبعض المشركين ليصرفهم، ومع بني النضير اكتفى بإجلائهم دون قتال، بينما مع قريظة حاصرهم وقتلهم، وفي مؤتة حصل اشتباك ثم انسحب المسلمون لما رأوا أن المعركة لا تسير في صالحهم.

فهذا كله مؤشر واضح أن الجهاد مرتبط بالمصلحة العليا للمسلمين، فكيف يقال: إن مصلحته لا يمكن أن تدرك في الدنيا.

وهنا أكتفي بنص عن فقيه من أبرز فقهاء الجهاد وهو العز بن عبد السلام (التولي يوم الزحف مفسدة كبيرة لكنه واجب إذا علم أنه يقتل من غير نكاية في الكفار، لأن التغرير بالنفوس إنما جاز لما فيه من مصلحة إعزاز الدين ..)

وأنا هنا لا أريد أن أفتي في حالة غزة، فالأمر موكول لأهل الشأن فيها، وفق هذه القواعد والضوابط، أما أن ندعوهم إلى ترك هذه القواعد بالكلية ودفعهم نحو الأهداف الأخروية (الشهادة والجنة) فهذا والله ليس من الفقه بشيء.

وهنا أنوّه إلى فتوى ثانية سمعتها من أحد الدعاة الأفاضل يقول فيها بوجوب إنقاذ الأسير المسلم ولو أدى ذلك إلى فناء الأمة كلها! وأعتقد أن هذه الفتوى لا تحتاج إلى نقاش.

بقي عليّ أن أجيب عن القاعدة التي سأل عنها السائل، فالقاعدة صحيحة إذا كنا نعلم أن المفسدة ستكون أكبر، كمن حاول أن يحرر قرية مغتصبة، أو أسيرا وهو يعلم أن بلاده كلها ستغتصب، أو أنّ جيشه سيتحول كله إلى أسرى، أما إذا كان لا يعلم ذلك، ثم حدثت الانتكاسة فهذه مسألة أخرى تحتاج إلى فقه آخر، ولعل واقعة مؤتة تقدم لنا بعض الحل..

إني هنا أنصح نفسي وإخواني من أهل العلم بأن الفتوى إنما هي تنزيل حكم الله تعالى في واقعة معيّنة، فهي ليست تعبيرا عن حالة من الانفعال والغضب، ولا هي استرضاء لشهوات الحكام ولا رغبات العوام، فلنتق الله في أنفسنا، وفي أمتنا، وفي عاجل أمرنا وآجله.

اللهم إننا نبرأ إليك من أن نقول في دينك قولا لا يرضيك، اللهم الثبات الثبات حتى نلقاك وأنت راض عنا يا الله.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة