• لبنان
  • الثلاثاء, أيار 13, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 5:51:29 ص
inner-page-banner
مقالات

المبادرات الشبابية في صيدا: من الحراك الانتخابي إلى تحوّل في الوعي الجمعي

بقلم: د. طارق البابا – باحث في القيادة التربوية والتنمية المجتمعية

مع اقتراب الاستحقاقات البلدية والمخترة في مدينة صيدا، يبرز حضور شبابي نوعي يفرض نفسه بقوة، لا كمجرد واجهة رمزية، بل كطاقة حقيقية تحمل مشاريع ورؤى، وتعبّر عن تحوّل ملموس في بنية التفكير والسلوك الجمعي. هذا التوجه لا يمكن قراءته بمعزل عن التحوّلات الاجتماعية والنفسية التي يشهدها الجيل الجديد، والذي بدأ يعيد صياغة دوره في الفضاء العام على أسس مختلفة.

من زاوية علم النفس الاجتماعي (Social Psychology)، تمثل هذه المبادرات تطبيقًا عمليًا لنظرية الهوية الاجتماعية (Social Identity Theory)، حيث يبدأ الأفراد في تعريف أنفسهم كأعضاء فاعلين داخل جماعة تسعى للتغيير. الانتقال من دور المتفرج إلى دور المرشّح أو الداعم الواعي يعكس ارتفاعًا في مستوى الفاعلية الجماعية المدركة (Perceived Collective Efficacy)، وهي ما تُعدّ مؤشرًا أساسيًا على الاستعداد لتحمّل المسؤولية الاجتماعية وصناعة القرار.

كما أن هذا الحراك يعكس تطبيقًا واضحًا لمفهوم التحفيز الداخلي للمواطنة (Intrinsic Civic Motivation)، حيث لا تدفع الأفراد مصالح آنية أو مصالح شخصية، بل وعي ناضج بأهمية الحوكمة المحلية وضرورة التجديد القائم على الكفاءة لا الولاء. في هذا السياق، يبدأ المجتمع بتغيير الإطار المرجعي الجمعي (Collective Frame of Reference)، حيث لم تعد القوة السياسية تقاس بالهيبة أو العلاقات، بل بعمق الطرح، والقدرة على التأثير، ومهارات القيادة الحقيقية.

في الوقت نفسه، يظهر هذا التحوّل الشبابي كمضاد طبيعي لما يُعرف بـ الامتثال الاجتماعي السلبي (Negative Social Conformity)، والذي طالما خنق الفضاء الديمقراطي المحلي. ويحل مكانه الآن تنافس شريف (Fair and Constructive Competition)، يستند إلى البرامج والخطط لا الانتماءات والانفعالات.

الأهم أن هذا التغيّر لا يعيد فقط الاعتبار للعمل البلدي، بل يُعيد تشكيل الوعي السياسي على مستوى المدينة. فالمبادرات الشبابية تُرسّخ ما يُعرف في النظريات التربوية بـ التعلّم الاجتماعي من خلال القدوة (Social Learning through Role Modeling)، إذ يشكّل هؤلاء المرشحون نماذج يحتذي بها أقرانهم، ما يعزز الثقافة المدنية ويولّد تأثيرًا تراكميًا على الأجيال القادمة.

إن صيدا، بتاريخها النضالي وحضورها المتعدد، أمام فرصة نادرة لإعادة تشكيل مشهدها البلدي من خلال وجوه شابة تملك الحافز، والمهارة، والصدق في التوجه. وهذا التحوّل لا يصب فقط في مصلحة انتخابات اليوم، بل في مستقبل مدينة تحتاج لمن يقودها بعقل ناضج وقلب منفتح.

نتمنى التوفيق لكل من يختار ويُنتخب، وأن تكون هذه التجربة بداية لمسار بلدي يقوم على التنافس الشريف، والتغيير الواعي، والتمثيل الحقيقي. 

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة