لينا فخر الدين ـ الأخبار
بين فينة وأخرى «تشتعل» حماسة المديريّة العامّة لقوى الأمن الدّاخلي لتسيير الحواجز الطيّارة في العاصمة والمناطق، بغية التأكّد من قانونيّة قيود الآليات (دراجات ناريّة وسيارات وشاحنات...). ومن يقع في «الفخ» لعدم تقيّده بالإجراءات القانونيّة يكون مصير آليّته الحجز ونقلها على «بلاطة» إلى أحد مرائب الآليات. وفيما يُسارع البعض إلى دفع الغرامة المتوجّبة على المخالفة لفكّ الحجز، يهمل آخرون الأمر إمّا لعدم تسجيلهم للآليّة، أو لأن قيمة الغرامات المتراكمة أعلى من سعر الآليّة المحجوزة، أو لعدم حيازة صاحبها إقامةً شرعيّة، وهو ما ينطبق على السوريين وغيرهم، فيما تحيط شبهات فساد كثيرة بمصير هذه الآليّات.
ولأن لا قدرة للمديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي على الإبقاء على هذه الآليات في أماكن تابعة لها، تُعقد مُناقصات أو اتفاقات مع أصحاب مرائب (أو ما تُعرف بالبورة) في معظم المناطق لوضع الآليات المحجوزة فيها.
حراس قضائيون
يُعد أصحاب هذه المرائب، بالمفهوم القانوني، حرّاساً قضائيين على الآليّات، وتتضمن الاتفاقيّات التي توقّع معهم تعهّدهم بالحفاظ على الآليات وتحمّل مسؤوليتها في حال حصول أيّ حادثة كالسرقة أو الحريق، إذ تنص المادة 395 من قانون السير على أنّه «يُعتبر المؤتمنون على المركبات المحجوزة حراساً قضائيين مع كل ما ينجم عن ذلك من نتائج قانونيّة، ويتقاضون مقابل ذلك تعويضاً يومياً يوضع على عاتق مالك المركبة (...)».
كما تنص المادة 396 على أنّه «تُحدّد شروط تنفيذ حجز السيارات والمركبات على أنواعها أو احتجازها أو استيداعها وحراستها بمرسومٍ يُتخذ بناءً على اقتراح وزيرَي العدل والدّاخلية والبلديات». وفي القانون أيضاً، يتوجّب على العناصر الأمنيّين رفع تقرير سنوي إلى دوائر التنفيذ القضائية في المناطق، يتضمّن عدد الآليات التي لم تُدفع غرامات فك حجزها ولا تزال مركونة في «البوَر» بهدف تلفها. والتّلف بحسب القانون، هو العمل على تشويه الآلية و«قصّها» إلى نصفين ليستحيل استخدامها مرّة أخرى.
كذلك يتوجب على أصحاب المرائب رفع تقرير مماثل، ويعمل القضاء على مُطابقة أعداد الآليات ومواصفاتها في التقريرين، ويُطلب من مأمور التنفيذ الكشف على المرائب. وتُرسل الجداول التي تتضمّن أعداد المركبات في المرائب ومواصفاتها إلى النيابة العامة مع طلب الموافقة على بيْعها. وبعد الحصول على الموافقة، تنظّم دائرة التنفيذ القضائيّة في المنطقة مزاداً علنياً لبيع الآليات المحجوزة تباعاً.
نصوصٌ لا تُشبه الواقع
هذا في المواد القانونيّة، لكن ما يجري على الأرض مخالف تماماً، إذ يؤكّد عاملون في هذا المجال وجود كمّ هائل من التجاوزات والتصرّف بالآليات عبر بيْع بعضها بطرق غير قانونيّة أو قطعاً، بالتواطؤ بين أصحاب المرائب وعناصر الأمن الذين يُكلّفون بالكشف على محتويات المرائب ومطابقة الأعداد والمواصفات، إذ يعمد هؤلاء إلى تحرير جداول مزوّرة بالموجودات، بغضّ نظر من القضاء في كثير من الأحيان.
ويؤكّد عناصر أمنيون ممن يُكلّفون بمطابقة جداول الموجودات أنّهم في كثير من الأحيان لا يكونون قادرين على التثبّت من استبدال بعض القطع في الآليات كالبطاريات مثلاً. ويلفت هؤلاء إلى أن أصحاب المرائب غالباً ما يعترضون على حجز الآليات الكبيرة في البورة بسبب المساحات التي تشغلها وعدم القدرة على التلاعب بقطعها، على عكس الدّراجات الناريّة التي يُمكن استبدال قطعها بسهولة، أو بيْعها بطريقة غير قانونيّة، خصوصاً أنّ كثيرين لا يُمانعون الاستحصال على دراجات من دون رخصٍ قانونيّة.
المزادات غائبة
ويشير هؤلاء إلى أنّ «الدراجات النظيفة» يتمّ الاعتناء بها وعدم التّلاعب بقطعها لبيْعها، بعد رشوة القوى الأمنية لتزوير جداول المطابقة، أو لعدم تنظيم مزادات علنية، كما هو حاصل في عدد من المناطق، حيث لا تنظّم مزادات شفافة منذ سنوات، بل تكون أشبه باتفاقيات مُعلّبة ترسو دائماً على الشخص نفسه! إذ يتفق صاحب المرْأَب مع أحد المقرّبين منه لتقديم سعر يتضمّن قيمة كامل الموجودات، بموافقة قضائيّة.
وتبقى الكثير من علامات الاستفهام حول مدى علاقة البائع بالشاري ومدى تحكّمهما بالأسعار، وما إذا كانت الموجودات في الأصل مطابقة للحجوزات في ظلّ ما يُحكى عن تواطؤ مع قوى الأمن التي لا تقوم في أغلب الأحيان بكشوفات حقيقيّة، والأهم ما إذا كانت المركبات قد تُلفت فعلياً أم أنّه يُعاد استخدامها وبيْعها كاملة، وليس قصّها وجعلها غير قابلة للاستخدام بحسب ما ينص القانون.
كلّ هذه الأسئلة لا أجوبة عليها. إلا أنّ المعنيين بهذا الملف يُدركون أن العديد من أصحاب المرائب يُخالفون القانون، حتّى إن بعضهم افتتح مستودعات لبيع الدّراجات بأسماء أقاربهم، من دون معرفة ما إذا كانت هي نفسها المحجوزة بعد تغيير معالمها.
روائح الفساد، أو على الأقل كميّة الأرباح الناتجة عن هذا العمل، يمكن الاستدلال عليها من المُضاربات في السوق بين أصحاب المرائب وشبكة العلاقات مع القائمين على الملف بهدف تثبيت الاتفاق مع قوى الأمن على استخدام عقاراتهم كمرائب، بحسب ما يقول العديد من العاملين في المجال.
ويروي هؤلاء عن كيفيّة «جرّ رجل» بعض العناصر الأمنيّين إلى حجز الدراجات الناريّة في «بورهم»، إذ حالما يعرفون أنّ مفرزة السير في منطقتهم باشرت بوضع حاجز طيّار لتحرير محاضر ضبط بحق المخالفين، حتّى يُسارعوا إلى وضع «بلاطة» خاصة في خدمة هؤلاء بدلاً من استئجار واحدة. وبهذه «الخدمة» يضمن صاحب المرْأَب أن تنتقل الآليات المحجوزة على متن «البلاطة» إلى «بورته»!
هذا غيضٌ من فيض ما يحصل في مرائب الحجوزات، فيما القضاء غائب تماماً عن الملف منذ سنوات، وتحديداً حينما «فاحت الروائح» ووصلت إلى النائب العام التمييزي السابق القاضي غسّان عويدات الذي تشدّد في الرقابة على المرائب، إلى حدّ أنّه كان يُشرف شخصياً على عمليّات تلف الآليات، قبل أن يغرق البلد في تفاصيل أهم ليسقط الملف عن لائحة الأولويّات.
يُذكر أنّ «الأخبار» حاولت التواصل مع رئيس شعبة العلاقات العامّة في قوى الأمن، المقدّم أندريه الخوري، من دون أن تفلح في الحصول على إجابة.
أين تذهب غرامات السير؟
حدّدت المادة 400 من قانون السير الذي أُقرّ في تشرين الأوّل عام 2012 حصص كل فئة من غرامات السير التي يدفعها من ينظّم العناصر الأمنيّون بحقّه محاضر ضبط ومخالفات، على هذا النحو: 25% من حاصل كامل غرامات السير المستوفاة لصالح صندوق الاحتياط في قوى الأمن الداخلي (علماً أنّ قانون السير الذي كان معتمداً قبل عام 2012، كان قد خصّص 20% من حاصل الغرامات لصالح رجال قوى الأمن العام)، 20% لصالح البلديات وفقاً للأُسس المُعتمدة في توزيع مخصّصات البلديات من الرسوم المشتركة.
في المقابل، خصّصت المادة نفسها 30% من الغرامات المحصّلة من الأحكام القضائية الصادرة وفقاً لأحكام هذا القانون لصالح صندوق تعاضد القضاة، كما تُقتطع نسبة 25% من الغرامات نفسها لصالح الصندوق التعاوني للمساعدين القضائيين وفقاً لأحكام المادتين 131 و150 تاريخ 1983 المُعدّل والمرسوم الاشتراعي الرقم 52 تاريخ 1983 المعدّل.