بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
منذ تأسيس دولة الاحتلال عام ١٩٤٨، كان الإرهاب المنظم والمجازر الجماعية جزءا أساسيا من سياساتها تجاه شعبنا الفلسطيني. ولم يكن القمع مجرد رد فعل عسكري على أي مقاومة، بل شكل استراتيجية ممنهجة تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين وإحلال مستوطني الشتات مكانهم.
النكبة لم تكن مجرد حدث تاريخي عابر، بل كانت البداية لسلسلة من المجازر التي تواصلت لعقود، من مجزرة دير ياسين وكفر قاسم، مرورا بصبرا وشاتيلا وقانا، وصولًا إلى المجازر المتكررة في غزة. فكل عدوان جديد على صاحب الأرض الشرعي لم يكن منفصلا عن السابق، بل كان امتدادا لنهج صهيوني يستمد جذوره من الأنظمة الاستعمارية التي سبقت دولة الاحتلال، مثل الاستعمار الفرنسي في الجزائر ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
في ليلة الحادي والعشرين من رمضان عام ٢٠٢٥، كانت غزة على موعد مع مجازر دموية جديدة، حيث لم يميز القصف بين منزل أو خيمة.
هذا الاعتداء الوحشي لم يكن الأول من نوعه، لكنه وفي هذا التوقيت حمل رمزية خاصة لأنه جاء في واحدة من أكثر الليالي قدسية عند المسلمين، فهي ليلة وترية بمعنى أنها قد تصادف ليلة القدر. اختيار هذا التوقيت لم يكن صدفة، بل كان رسالة صهيونية واضحة مفادها أن لا حرمة عندهم لمكان أو زمان، في محاولة لكسر الروح المعنوية لشعبنا في غزة. لكن التاريخ لطالما أثبت إن مثل هذه الجرائم لا تؤدي إلا إلى مزيد من التمسك بالمقاومة والصمود.
وما جرى في هذه الليلة لم يكن معزولًا عن السياق العام للصراع الفلسطيني الصهيوني.
فمنذ بداية القرن الحادي والعشرين، كانت غزة قد تحولت إلى رمز للصمود الفلسطيني. بعد الانسحاب الصهيوني منها عام ٢٠٠٥ حين فرض عليها حصار خانق جعل الحياة اليومية فيها أقرب إلى سجن مفتوح. ومع ذلك، لم تستسلم غزة، بل تحولت إلى مركز رئيسي للمقاومة دفع دولة الاحتلال إلى شن حروب متكررة بهدف القضاء على أي تهديد محتمل يأتي من مقاومتها.
فمن حرب ٢٠٠٨ - ٢٠٠٩ التي أسفرت عن استشهاد المئات، إلى حرب ٢٠١٤ التي كانت الأكثر دموية من حيث عدد الشهداء، ثم معركة سيف القدس ٢٠٢١ التي قلبت المعادلة وأظهرت قدرة المقاومة على فرض معادلات جديدة، فظل القطاع عصيا على الإخضاع.
اليوم تواجه دولة الاحتلال معضلة استعمارية مشابهة لما واجهته القوى الاستعمارية في الماضي. فكما لم يستطع الفرنسيون الاحتفاظ بالجزائر رغم ١٣٢ عاما من الاحتلال، وكما لم يتمكن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا من الاستمرار رغم كل محاولات فرض هيمنته، فإن دولة الاحتلال أيضا تجد نفسها في مواجهة معادلة صعبة، بين شعب صامد يتمسك بأرضه، ومشروع استيطاني لا يستطيع تأمين بقائه دون اللجوء إلى العنف المتكرر.
فرغم كل المجازر، لم تنجح في تحقيق أهدافها، بل وجدت نفسها عالقة في صراع أفقدها اتزانها، حيث لم تتمكن من القضاء على المقاومة الفلسطينية أو فرض الاستسلام عليها.
والأحداث التي شهدتها غزة في رمضان ٢٠٢٥ ليست مجرد تصعيد عسكري، بل هي جزء من معركة وجودية ممتدة منذ أكثر من سبعة عقود. فبينما قد تنجح دولة الاحتلال في تنفيذ المزيد من الإبادة الجماعية بحق الأبرياء وتدمير المنازل والبنى التحتية وسياسة التجويع وغيرها من السياسات المخالفة للقوانين الإنسانية، فإنها ستفشل مرة أخرى في تحقيق هدفها الحقيقي بالقضاء على الروح الفلسطينية.
فالمجازر لم تفلح في الماضي في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، ولن تفلح اليوم. وكما أسقطت الشعوب الاستعمارية الأخرى أنظمة القهر، فإن أصحاب الحق سيسقطون دولة الاحتلال الإحلالية الظالمة.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..