• لبنان
  • السبت, نيسان 19, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 11:28:27 م
inner-page-banner
مقالات

مناورة روسية بـ «السلاح التركي» في سوريا

سامر زريق ـ نداء الوطن

كان موقف روسيا من «تمرّد الساحل» الذي قادته مجموعة من فلول نظام الأسد على الحكم السوري ضبابياً وحمّال أوجه. فمِن جهة، أطلقت العنان لوسائل إعلامها للترويج لفكرة «الإبادة الجماعية» التي تستهدف الأقليات، وتشمل العلويين والشيعة والمسيحيين. في موازاة انتشار تسجيلات صوتية نسبت إلى بطانة النظام المخلوع يدّعون فيها وجود تنسيق مباشر مع قاعدة حميميم، زد عليها الحديث عن إيواء بعضهم في القاعدة نفسها، بما عزّز من فرضية وجود دور لها في إدارة اللعبة من خلف الكواليس.

ومن جهة ثانية، اكتفى رئيس دبلوماسيتها سيرغي لافروف، وسائر المسؤولين الروس، بتعليقات مقتضبة، مع تشديد «الكرملين» على أن «أي تدخل روسي لن يحدث إلّا بموافقة السلطات الشرعية في دمشق»، حتى أن المتحدّث باسمه ديمتري بيسكوف، رفض التعليق على أحداث الساحل بعد يوم من اندلاعها. الأمر الذي طرح العديد من علامات الاستفهام لدى حلفاء موسكو وخصومها، ولا سيّما غداة توافقها مع أميركا على عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي من أجل بحث «المسألة السورية».

يعتبر مراقبون أن موسكو ليس لها علاقة بـ «تمرّد الساحل» المحكوم عليه بالفشل في ظلّ موازين القوى على الأرض، وأن التسجيلات إيّاها كان الهدف منها خداع المتضرّرين من «عملية التطهير» التي نفذتها الحكومة السورية لتوريطهم في «الانتفاضة الخاسرة».

بيد أن روسيا، التي كان لديها معلومات حول ما يحاك، وظّفت ورقة الأقليات لإجراء مناورة جيوسياسية ضدّ تركيا، تردّ من خلالها على استخدام الأخيرة أدوات النفوذ الناعم وسط الأقليات التركية المنتشرة في الجمهوريات السوفياتية السابقة، بما أتاح لها تأسيس قاعدة نفوذ في الفضاء الجيوسياسي الروسي، صارت تشكل مصدر إزعاج لإدارة بوتين.

هذه المناورة استدعت فتح أبواب قاعدة حميميم لاحتضان العلويين الهاربين من حدّ السيف، الذين وصل عددهم إلى نحو 9 آلاف شخص، لترويج صورة الحماية والتي أفادت من السيناريوات المضخمة التي سيقت في هذا الإطار، وحينما انتفت الحاجة راحت موسكو تضغط لإخلاء القاعدة.

والحال أن هذه المناورة تعدّ فصلاً من فصول العلاقة المعقدة بين روسيا وتركيا، حيث تعزز المصالح المشتركة من حاجة كلّ منهما للآخر، مثل العقوبات الغربية وتدفقات الغاز وغيرها، من دون أن ترقى إلى أن تكون تحالفاً في ظلّ تضارب الأهداف وتداخل دوائر الجغرافيا السياسية. إلّا أن الطرفين يؤثران الدبلوماسية المرنة والهادئة، والتي تُتيح لكلّ منهما هامشاً من المناورة واستغلال الفرص المتاحة لتوجيه بعض اللكمات التي لا تسقط أرضاً. فحينما رأت موسكو أن المناورة حققت أهدافها، راحت تضغط على النازحين لإخلاء قاعدة حميميم.

من الأمثلة على ذلك أبخازيا، المنطقة التي افتكتها موسكو إلى جانب أوسيتيا الجنوبية من جورجيا، والتي كادت الانتخابات الرئاسية التي أجريت فيها أخيراً أن تطيح المرشح المدعوم من روسيا، بعدما دخلت تركيا على خط الاستقطاب الناشئ نتيجة الاحتجاجات الشعبية في تلك البقعة القريبة من حدودها الشمالية الشرقية، عبر أقلية «الأهيسكا» أو «المسخيت» التركية التي عانت من الاضطهاد في عهد ستالين. وكذلك الأمر في شبه جزيرة القرم، وجمهوريات آسيا الوسطى والبلقان، وحتى في الجمهوريات المستقلّة المنضوية ضمن الاتحاد الروسي، مثل داغستان وقراتشاي تشيركيسيا وقبردينو بلقاريا.

إضافة إلى ما سبق، رامت موسكو من خلال هذه المناورة السياسية إثبات أنها لاعب محوري في الجغرافيا السورية، وترويج فكرة القطب العالمي الذي يمتلك القدرة على إدارة الأزمات الدولية والتي لا ينفك بوتين عن الحديث عنها، وتحظى بالكثير من التأييد ضمن دوائر السياسة الروسية. لذلك، فإنها التقطت فرصة انفتاح إدارة ترامب عليها من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، وطوّرتها في اتجاه تعزيز شراكتها في رعاية الحلّ الدولي للمسألة السورية، ومن خلال مجلس الأمن بالذات، والذي تعتبره إدارة بوتين أداة الشراكة الأبرز.

كما أنه في الوقت نفسه يُشكّل أداة ضغط شديدة الفعالية تُتيح لها تحصيل المزيد من المكاسب الاستراتيجية في الحوار الدائر مع دمشق، والذي يتجاوز النفوذ العسكري، ليشمل منافع اقتصادية وسياسية، مثل مرفأ طرطوس ومناجم الفوسفات والديون الروسية وطباعة أوراق النقد السوري الذي تتولّاه موسكو، حسبما كشفت تقارير صحفية غربية، وعادت وأكدته الرسالة التي بعثها بوتين إلى الرئيس السوري الإنتقالي أحمد الشرع بالأمس، وفق ما نقلت وكالة «تاس» الروسية، والتي أكد فيها استعداد بلاده لتطوير التعاون العملي في مختلف القضايا المدرجة على جدول الأعمال الثنائي.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة