• لبنان
  • الأربعاء, آذار 12, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 1:08:53 م
inner-page-banner
إسلاميات

‏د. خالد عبيد العتيبي ـ بوابة صيدا

يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: “إذا دللت نفسك وأعطيتها كل ما تهوى، فسيصعب عليك فطامها، عندها ستشعر بضعفها وقلة شأنها.. أما إذا دربتها على مغالبة الصعاب فستكون عظيمة ولن تخذلك أبدًا.”

وهذه الحقيقة تتجلى بأبهى صورها في مدرسة رمضان، حيث يتعلم الإنسان كيف يروض نفسه، ويحررها من أسر الشهوات والملذات العابرة. فالصيام ليس مجرد انقطاع عن الطعام والشراب، بل هو تدريب عملي على الصبر، وإعادة ضبط النفس، وإحياء الروح من جديد.

رمضان.. فطام النفس عن التعلق بالدنيا

يأتي رمضان كل عام ليذكّرنا أن النفس لا ينبغي أن تكون عبدًا للراحة أو أسيرةً للرغبات، بل يجب أن تكون قوية، قادرة على التحكم في ذاتها. فمنذ لحظة السحور حتى أذان المغرب، يتعلم المسلم كيف يقول “لا” لرغباته، وكيف يكبح جماح نفسه عندما تطلب المألوف، وهذا تدريب عظيم على الإرادة.

ولذلك، نجد أن الصيام ليس فقط إمساكًا عن الطعام، بل هو تحرر من أسر العادات التي تُضعف الروح، كما قال النبي : “الصيام جُنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم.” (متفق عليه).

رمضان.. وقود الروح وقوة الإرادة

رمضان يمنحنا فرصة لنعيش تجربة “مغالبة الصعاب” التي تحدث عنها الغزالي، فنحن ندرّب أنفسنا على ترك الحلال – الطعام والشراب – فما بالك بالمحرمات؟! وهنا تتجلى الحكمة العميقة للصيام، إذ إنه ليس مجرد تكليف، بل هو رياضة روحية تعيد ضبط علاقتنا مع أنفسنا، ومع الله، ومع الحياة كلها.

إن الإنسان عندما يمرّن نفسه على ترك الطعام والشراب لساعات طويلة، ثم يحرص في الوقت ذاته على قراءة القرآن، والقيام، والصدقة، فإنه يدرك أنه أقوى من أن تتحكم فيه العادات أو تسيّره الرغبات. وهذا هو جوهر التغيير الذي يحدثه رمضان في النفوس.

رمضان.. طريق العظمة والسمو

قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183).

التقوى ليست مجرد شعور، بل هي قوة نفسية تجعل الإنسان قادرًا على ضبط نفسه أمام المغريات، وهي ثمرة الصيام الحقيقية. فكما أن الجندي لا يصبح قويًا إلا بعد تدريبات شاقة، كذلك المؤمن لا يرتقي إلا حين يمر بتجربة ضبط النفس التي يعلمنا إياها رمضان.

ولهذا نجد أن رمضان ليس شهر الكسل والخمول، بل هو شهر الإنجازات الكبرى، فقد وقعت فيه غزوة بدر، وفتح مكة، وغيرها من الأحداث العظيمة، مما يدل على أن الصيام يقوي النفس، ويزيد من عزيمتها، إذا ما فهمناه كما يجب.

كيف تجعل رمضان نقطة تحول؟

إذا أردت أن يكون رمضان لك ليس مجرد شهر صيام، بل محطة تغيير، فاحرص على الآتي:

1. لا تعامل الصيام كحرمان، بل كفرصة تدريبية لنفسك: استشعر أنك في معسكر إيماني هدفه تهذيب نفسك، لا مجرد الامتناع عن الطعام.

2. تحكم في شهواتك في باقي جوانب الحياة: كما تمسك عن الطعام والشراب، امسك عن الغضب، عن الكلام الفارغ، عن العادات السيئة التي تعودت عليها.

3. اجعل هذا الشهر نقطة انطلاق لعادات إيجابية: تدرب على قيام الليل، قراءة القرآن، الصدقة، واغتنام كل لحظة.

4. حارب الكسل، واجعل يومك حافلًا بالإنتاجية: لا تجعل الصيام مبررًا للخمول، بل اجعل رمضان دافعًا للعمل، كما فعل الصحابة والتابعون.

5. اجعل شعارك: “رمضان مدرسة التغيير”: لا تدع رمضان يمر دون أن تخرج منه إنسانًا أقوى روحًا وأصلب إرادةً.

ختاما: رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو فطام للنفس عن التعلق بالراحة والضعف. هو مدرسة تصنع العظماء، وتكشف لنا حقيقة أنفسنا، فإذا كنت تريد لنفسك المجد، فاجعل من رمضان نقطة تحول حقيقية، لا مجرد تجربة مؤقتة تعود بعدها إلى ما كنت عليه.

إذا دربت نفسك على مغالبة الصعاب فستكون عظيمة ولن تخذلك أبدًا! وهذا هو درس رمضان الأكبر!

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة