جنان الخطيب ـ الأخبار
في قلب الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، تصدّرت عناوين الأخبار جرائم مروعة، من عمليات قتل بشعة إلى حالات انتحار غامضة واختطافات هزّت المجتمع. هل هذه الجرائم مجرد حوادث فردية تعكس الفوضى والاضطراب الذي يعيشه البلد؟ أم أنها تشير إلى أنماط جنائية خطيرة تنمو في الخفاء؟ عبر التحليل الجنائي يمكننا الكشف عن الأسرار الكامنة وراء هذه الحوادث التي تثير الخوف والقلق في الشارع اللبناني، وتسليط الضوء على ما إذا كانت تمثل اتجاهاًَ جديداً يهدد الأمن والاستقرار
يشهد لبنان في السنوات الأخيرة تزايداً مقلقاً في حوادث القتل والانتحار والخطف، ما يثير تساؤلات عما إذا كانت هذه الحوادث تمثل أنماطاً جنائية معينة أو حوادث فردية غير مترابطة. في التحليل الجنائي، من الضروري دراسة الخصائص المشتركة لهذه الجرائم وعوامل حدوثها لفهم ما إذا كانت وراءها دوافع منظمة أو عشوائية، ما يساعد في تقديم رؤية أوضح حول دوافعها وأساليب الوقاية منها.
تحليل أنماط الجرائم
عبر تحليل مشاهد جرائم القتل في لبنان، يمكن أن يوفر تحليل أنماط الجرائم معلومات قيمة حول دوافع الجناة. قد تشير الجرائم المتكررة بالأسلوب نفسه، مثل استخدام نوع الأسلحة نفسه أو تنفيذ الجرائم في الأوقات والمواقع نفسها، إلى وجود نمط معين يتبعه الجناة.
في ما يتعلق بحالات الخطف، فإن تحليل أنماط هذه الجرائم في لبنان يظهر في بعض الأحيان ارتباطاً بجماعات منظمة تهدف إلى تحقيق أهداف مادية أو سياسية. وعبر تحليل أساليب التنفيذ، مثل توقيت الخطف، المناطق المستهدفة، وأساليب الاتصال بالضحايا، يمكن للمحققين تحديد الأنماط التي تساعد في كشف النقاب عن هذه الشبكات وتحجيم أنشطتها.
أمّا حالات الانتحار المتزايدة، فتتطلب تحليلاً أعمق حول الحالة النفسية والاجتماعية للضحايا. من الناحية الجنائية، يتم التركيز على تحليل المشهد، مثل مكان الحادث، الرسائل التي قد يتركها المنتحرون، وأي دلائل تشير إلى وجود ضغوط نفسية أو تهديدات قد تكون دافعة للانتحار. في بعض الحالات، قد تكتشف الأدلة الجنائية وجود جريمة وراء ما يبدو كحالة انتحار.
التحليل الجنائي: أكثر من مجرد كشف الجريمة
يعد التحليل الجنائي عملية معقدة ومتعددة الأبعاد تشمل دراسة الأدلة الفيزيائية، البيولوجية، والرقمية، إلى جانب تحليل مسرح الجريمة وسلوك الجاني. الهدف من التحليل ليس فقط اكتشاف من ارتكب الجريمة، بل محاولة فهم كيف تمت ولماذا. عبر هذه الدراسات، يمكن أن يكشف المحققون ما إذا كان هناك نمط ثابت في أسلوب الجريمة، ما قد يشير إلى وجود نمط جنائي خلف الجرائم المتكررة.
الأدلة الفيزيائية مثل بصمات الأصابع، آثار الأقدام، وبقايا الأسلحة تُعد أساسية في أي تحقيق جنائي. تحليل هذه الأدلة يمكن أن يقدم إشارات حول كيفية ارتكاب الجريمة. على سبيل المثال، إذا وُجدت بصمات مشابهة في مسارح جرائم مختلفة، فقد يشير ذلك إلى أنّ وراءها الشخص نفسه أو المجموعة نفسها.
إلى جانب ذلك، يُعد تحليل سلوك الجاني من الأدوات الفعالة في الكشف عن الأنماط الجنائية. يتضمن ذلك دراسة كيفية تنفيذ الجريمة، واختيار الضحايا، وأي نمط يمكن تكراره عبر جرائم متعددة. على سبيل المثال، إذا تكرر نوع الاعتداء بالطريقة نفسها وفي المنطقة الجغرافية نفسها، فهذا يشير إلى وجود نمط محدد يتبعه الجناة.
كيف يمكن للتحليل الجنائي الكشف عن «النمط الجنائي»؟
إحدى الطرق الأساسية التي يمكن عبرها الكشف عن الأنماط الجنائية هي دراسة الأسلوب الذي يتبعه الجاني. الجناة الذين يكررون النوع نفسه من الجرائم غالباً ما يستخدمون الأدوات والأساليب نفسها. على سبيل المثال، قد يختار الجاني اقتحام المنازل في المدة الزمنية نفسها، باستخدام الأدوات نفسها، واتباع الطريقة نفسها للفرار.
إلى ذلك، عبر تحليل الجرائم المتكررة، يمكن أن يكشف المحققون ما إذا كان الجاني يستهدف نوعاً معيناً من الضحايا. على سبيل المثال، يمكن أن يكون الضحايا من الفئة العمرية نفسها، أو من الجنس نفسه، أو يعيشون في منطقة معينة. تكرار هذه السمات في الضحايا يمكن أن يدل على وجود نمط جنائي واضح.
في بعض الأحيان، يمكن أن يكشف التحليل الجنائي أن الجرائم ليست فردية، بل جزءاً من نشاط إجرامي منظم. على سبيل المثال، يمكن لسرقات عدة تحدث بأسلوب مماثل وفي مناطق متقاربة أن تكشف عن وجود عصابة منظمة تستخدم «نمطاً جنائياً» واضحاً.
إشارات تنذر بالخطر
تشير التحقيقات الجنائية الأخيرة إلى تصاعد ملحوظ في أنشطة الجماعات الإجرامية المنظمة في لبنان، والتي تستغل ضعف الرقابة الأمنية والفوضى السياسية والفراغ القانوني لتنفيذ عمليات الخطف والابتزاز. هذه الجرائم ليست مجرد حوادث فردية، بل هي جزء من شبكات إجرامية تُدار بتخطيط دقيق، ما يرفع من احتمال تزايد هذه الأنشطة في المستقبل.
إلى جانب ذلك، فإن الانهيار الاقتصادي والسياسي أثّر بشكل سلبي على قدرة الأجهزة الأمنية في لبنان على التعامل مع الجريمة بفعالية. ضعف التمويل ونقص الموارد البشرية يحدّان من إمكانات القوات الأمنية في إجراء تحقيقات شاملة أو تقديم الدعم المطلوب للمجتمع. هذا الوضع يزيد من الجرائم المنظمة، ويعطي للجناة حرية أكبر لتنفيذ أعمالهم.
في ظل استمرار هذا التدهور الاقتصادي والاجتماعي، يُتوقع أن يشهد لبنان تصاعداً في النزاعات العائلية والشخصية، ما يسهم في زيادة جرائم القتل والانتحار. هذه النزاعات، التي قد تبدأ من مشكلات بسيطة، يمكن أن تتحول إلى أعمال عنف مميتة بسبب الضغط النفسي الذي يعاني منه الأفراد، إضافة إلى عدم وجود قنوات فعّالة لحل الخلافات بطريقة سلمية.
أخطاء شائعة | أنماط الجرائم المضللة
يمكن أن تكون أنماط الجرائم خادعة. ما يبدو وكأنه اتجاه ثابت قد يكون في الواقع سلسلة من الحوادث غير المرتبطة أو إستراتيجية متغيرة من قبل مجرمين مختلفين يتكيفون مع الظروف المتغيرة. في بعض الأحيان، قد يتبع عدة مجرمين أساليب مشابهة بشكل عشوائي، ما يخلق انطباعاً زائفاً عن وجود نمط واحد. علاوة على ذلك، قد يتكيف الجناة مع الإجراءات الأمنية الجديدة عبر تغيير طرقهم أو أهدافهم، ما يجعل من الضروري أن تظل التحقيقات مرنة وقادرة على التكيف.