فلسطينية من سكان الخليل قالت إن أحد الجنود تحرش بها على الحاجز الذي يقيمه الجيش الإسرائيلي في المدينة، عندما خلع بنطاله وكشف نفسه أمامها قبل أسبوعين، في الوقت الذي كانت تمر فيه وحدها في المكان. هذه الحادثة استدعت شهادات نساء أخريات من الخليل بشأن معاملة مهينة من قبل الجنود تجاه النساء اللواتي يمررن عن الحواجز منذ اندلاع الحرب، خصوصاً في الفترة الأخيرة، وضمن ذلك توثيقهن والتطرق لمظهرهن الخارجي والتفتيش في هواتفهم، وتوجيه أقوال بذيئة لهن.
وجاء من المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بأنه بعد تقديم الشكوى، فتح الجيش تحقيقاً، لكن لم يتقرر بعد إذا كان سيتم فتح تحقيق في الشرطة العسكرية.
الحادثة التي قدمت المرأة شهادة حولها كانت مساء السبت 17 آب في حاجز “تمار” بحي تل الرميدة في الخليل. “دائماً نمر عن هذا الحاجز، يعطوننا بطاقات الهوية، ثم نمر على جهاز كشف المعادن، وهو الأمر الذي أصبح روتينياً”، قالت: “فعلت ذلك، وعندما أردت اجتياز الحاجز، اعتقلني جندي آخر وقال لي إنه يريد تفتيش حقيبتي”. وقالت: “بعد أن فعلت ما أراد، أنزل بنطاله وملابسه الداخلية بشكل جزئي وكشف عن جسمه. خلع ملابسه وقال لي: هل تريدين؟ تعالي وانظري”. “من شدة الصدمة، خرجت من الحاجز ولم أعرف ما الذي يحدث. شعرت وكأن شخصاً صفعني”.
وقالت المرأة أيضاً إنها عندما وصلت إلى البيت روت ما حدث معها لأختها وجارتها، “بعد ذلك انهرت، ولم أعرف ماذا سأفعل”. في نفس المساء، تحدثت عن الحادث أيضاً لأحد سكان الحي، بسام أبو عيشة، وهو قائد مجتمعي محلي، فكان أن اتصل مع إدارة التنسيق والارتباط الفلسطينية. في أعقاب الشكوى، وصل إلى المكان ضابط رفيع من الإدارة المدنية، أيمن بيسان، وعسكري آخر، والتقيا مع الفتاة وأمها وذهبا إلى الحاجز. هناك تعرفت الفتاة أمامهم على الجندي، ووعد رجال الجيش الفلسطينيين بمعالجة الحادثة.
في اليوم التالي، اتصل ضابط الإدارة المدنية شادي شوباش مع أبو عيشة، وهو المسؤول عن الاستيطان اليهودي في الخليل وطلب منه الالتقاء. التقيا على مفترق طرق قريب. وحسب أقوال أبو عيشة، عندما وصل كان هناك ثمانية جنود يطوقونه من كل جهة. “بدأ يهددني. من أنت وماذا تفعل هنا. هذا ليس من شأنك. أنا هنا الحكومة”، وأضاف أبو عيشة: “قال لي إن القصة كلها كذب، ولا تتدخل. أنتم تختلقون القصص والأفلام. سأريكم وجهي الآخر”.
وأكدت الإدارة المدنية المحادثة بين الاثنين، ولكنها نفت كليًا تضمين اللقاء تهديداً أو تشكيكاً في موثوقية أقوال الفتاة، أو تكذيب ادعائها.
بعد الحادثة، قررت عائلة الفتاة، وهي من سكان منطقة “اتش 2” في الخليل، الانتقال إلى بيت أقارب للعائلة في الجانب الواقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية في الخليل (اتش 1) لبضعة أيام. “قمنا بذلك تغييراً للجو. كنت متعبة ومحبطة مما حدث. الآن الأمر أصبح أخف، لكن عندما أريد المرور عن الحاجز أخاف حدوث ذلك مرة أخرى”، قالت الفتاة للصحيفة.
حسب أقوال أربعة أشخاص من سكان الحي الذين تحدثوا مع “هآرتس”، فإن قصة هذه الفتاة خطيرة بشكل خاص، لكنها تجسد الروح العامة التي تسمح بالتحرش الجنسي وإهانة النساء اللواتي يعبرن الحاجز. هي شهدت حدوث تدهور في معاملتهن منذ بداية الحرب، وازداد ذلك في الفترة الأخيرة.
فتاة من سكان الحي، طالبة في الثانوية، قالت إنه قبل أسبوعين عندما كانت تمار تمر عن الحاجز مع شقيقتها، لم يسمح لهن أحد الجنود بالعبور. واتصل بمحادثة فيديو مع صديقه، وبدأ يتحدث معنا ويقول له بأننا جميلات. بعد ذلك، بدأ يصورنا وقال لنا: “انظر إلى جمالهن”. وأثناء تحدثه مع صديقه، استخدم أقوالاً بذيئة. “بعد نصف ساعة سمح لنا بالعبور”، قالت هذه الفتاة.
في مرة أخرى، قالت الفتاة نفسها إن أحد الجنود طلب منها تفتيش الصور التي بهاتفها في الوقت الذي كان يمسك يدها فيه، قرب حاجز “الشرطي”. “أمسك يدي وطلب مني فتح الهاتف. قلت له إنها صور خاصة، فلماذا أفتحها”، قالت. الفتاة المحجبة روت القصة وهي تظهر بأن في هاتفها صوراً لها وهي غير محجبة. “شاهد كل شيء، مرر صورة تلو الأخرى. خلال ربع ساعة أمسك يدي وكان ينظر إلى الهاتف”، قالت. في حادثة أخرى، قالت إن أحد الجنود قال لها “سأنتظرك في المرة القادمة، يا حلوة”.
التفتيش عن الصور في الهاتف أثناء عبور الحاجز أو أثناء التأخير العادي في الحي، تكرر في شهادات النساء الفلسطينيات اللواتي تحدثن مع “هآرتس”، هذا إضافة إلى المنع الذي يفرضه الجنود على السكان، وتصوير نشاطات الجنود كي لا يتم اعتقالهم، خلافاً لما كان عليه الحال قبل الحرب. في حينه، تعود السكان على توثيق الجنود الذين يتصرفون بشكل غير لائق. في بداية الحرب، تم اعتقال أحد سكان الحي أسبوعاً بعد توثيقه لجندي. ومنذ ذلك الحين والسكان يقولون إنهم يخشون فعل ذلك.
وقالت امرأة أخرى من الخليل، إن التحرش أصبح أمراً روتينياً. “عندما أعبر الحاجز ويرسل لي الجندي قبلة. وعندما أخرج يغلق البوابة كي أعود مرة أخرى إلى الوراء. أعود وهو يغلق مرة أخرى”، قالت. “تدخلين إلى الحاجز ويقولون لك أموراً غير لطيفة مثل “زانية” وغيرها من الشتائم البذيئة. ويكررون هذه الكلمات كثيراً بصورة عادية. ويفعلون حركات بأيديهم. ويقولون هذه الأقوال بواسطة مكبر الصوت على الحاجز”.
خلافاً للإسرائيليين الذين لا يرون في هذه الألفاظ خطورة كبيرة، فإن نساء الخليل أوضحن حجم الإهانة التي يشعرن بها جراء أقوال استثنائية مهينة. أثناء المقابلة، طلبن حتى وقف التسجيل عندما كررن الكلمات التي قالها الجنود.
لم تصدر هذه السلوكيات عن جندي واحد”، قالت. “أحياناً شخص يقول لك: أعطني رقم هاتفك. البنات يخفن من الذهاب وحدهن إلى الحاجز. سلوك الجنود يخيف البنات من عبور الحاجز وحدهن، لا سيما الحواجز التي لا تخلو من أشخاص. عندما أذهب إلى العمل أفحص إذا كان هناك أحد في الحاجز”، قالت امرأة من سكان الحي. “إذا وجد أحد أمر، وإلا سأضطر للعودة”.
امرأة من سكان المدينة قالت أيضاً بأنه منذ اندلاع الحرب، عليهن المرور عبر جهاز كشف المعادن في كل مرة أثناء العودة إلى البيت. التعليمات الجديدة تجعل الجنود أحياناً يطلبون من النساء خلع بعض الملابس، رغم حقيقة أنهن متدينات ويحافظن على الحجاب. “هذا الجهاز يطلق صوتاً على كل معدن. إذا كنت ترتدين قميصاً تحت الحجاب وعليه سلسلة الجهاز، فسيصدر صوتاً. أحياناً يطلبون إنزال الحجاب. جميعنا مسلمات”.
وجاء من المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: “الحادثة التي جرت في 17 آب بُلغ عنها لجهات إنفاذ القانون في الجيش، وهي قيد الفحص. لا نعرف عن ادعاءات بخصوص التحرش الجنسي. وإذا كانت هناك حالات، فالأمر يتعلق بسلوك خطير ومحظور ويخالف التعليمات. أي شكوى تردنا حول سلوك غير مناسب لجنود الجيش، يتم فحصها كالعادة ونعالجها حسب القانون”.
وفيما يتعلق بضابط الإدارة المدنية، قال قسم منسق أعمال الحكومة في “المناطق” [الضفة الغربية]: “الادعاء الذي بحسبه أن ضابط إدارة التنسيق والارتباط في الخليل ذهب إلى بسام أبو عايشة واحتج على موثوقية شهادة الفتاة، وتهديده، هو ادعاء كاذب ولا أساس له من الصحة”.
(هاجر شيزاف / هآرتس 29/8/2024 / نقلاً عن القدس العربي)