• لبنان
  • الاثنين, تشرين الأول 13, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 3:50:50 م
inner-page-banner
مقالات

د. عبد البديع الددا ـ بوابة صيدا

في زمنٍ تتكاثر فيه الأزمات وتتراجع فيه القيم، وأصبح فيه الضمير سلعة نادرة، نرى اليوم نوعًا جديدًا من الإفلاس يتجاوز المال والمادّة، ليمسّ الضمير والكرامة. فقد وصل البعض إلى مرحلةٍ من الإفلاس الأخلاقي دفعتهم إلى التطاول على من مدّ لهم يد العون، وإلى اختلاق القصص والمواضيع لجذب الأنظار، علّهم يجدون في ضجيج الجدل ما يعوّض نقصهم الداخلي وفراغهم القيمي، وكأن التشويه صار وسيلتها الأخيرة للظهور بعد أن أفلس رصيدها من المصداقية والكرامة.

كم هو مؤسف أن يصل البعض إلى هذا الدرك من الانحدار، فيتحول المعروف عندهم إلى مادة للتهجم، والجميل إلى تهمة، وكأنهم يعاقبون من ساعدهم لأنهم فشلوا في ردّ الجميل بأخلاق تليق بالإنسان السوي.

ما يؤلم حقًا، ليس في ما يُقال بقدر ما هو في الغاية من القول — فحين تصبح الكلمة سلاحًا لتشويه أو لتصفية الحسابات، تفقد قيمتها كوسيلة للتعبير وتتحول إلى أداة للهدم. في هذا الوقت العصيب الذي تمرّ به البلاد، حيث الحاجة إلى التكاتف والتكامل باتت أكثر من ضرورة، نجد من يسعى، بوعيٍ أو بجهل، إلى زرع الفتنة وتشتيت الصفوف، وكأن الوطن يحتمل مزيدًا من الانقسام أو المزايدات.

في ظلّ هذا الظرف الحرج الذي تمرّ به البلاد، وحاجتها الماسّة إلى التكاتف والتكامل، يظهر من يصرّ على النفخ في رماد الفتنة وبثّ سموم الفوضى، دون أي اعتبار لتداعيات أفعالهم أو خطورة كلماتهم. هؤلاء لا يدركون أن الوطن لا يحتمل مزيدًا من المزايدات الرخيصة ولا الخلافات الصغيرة التي تُشعل النار في بيتٍ واحد اسمه الوطن.

إنّ الأوطان لا تُبنى على الكذب ولا على النكران، بل على الصدق، والوفاء، والاعتراف بالجميل. ومن يهاجم من ساعده بالأمس، إنما يُعلن إفلاسه أمام نفسه قبل الآخرين، لأنّ القيم لا تُشترى، والكرامة لا تُستعار.

إنّ من يفلس قيميًا لا يستطيع أن يبني، ومن يخون من أحسن إليه لا يعرف للوفاء معنى. والزمن كفيل بأن يكشف الوجوه على حقيقتها، ويُسقط الأقنعة عن كل من جعل الكذب مهنة والافتراء وسيلة.

ليبقى للزمن غربالَه، وللحقيقة صوتها، ولنعِ جميعًا أنّ المرحلة التي نعيشها لا تحتمل التناحر، بل تحتاج إلى أن نكون صفًا واحدًا، نواجه التحديات بالعقل والضمير، لا بالاتهامات والافتراءات.

فلنترك لهم ضجيجهم، ولنبقَ نحن على يقينٍ بأنّ الكلمة الصادقة تبقى، وأنّ الوطن لا ينهض إلا برجالٍ أحرارٍ نقييّ السريرة، لا بتجار الكلام ولا بصُنّاع الفتنة.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة