بقلم حسان القطب ـ مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات ـ بوابة صيدا
لم يمر مصير الاستقرار العالمي، ووضع الشرق الاوسط بالتحديد، والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، بمرحلة دقيقة وخطيرة وبالغة التعقيدات والتداعيات كما هو الحال الان..!.. نحن الآن نعيش مرحلة مشابهة لتلك التي عاشها المصريون القدماء خلال حكم احد الفراعنة ووزيره (هامان)..
فرعون.. حاكم مصر.. خلال عهد الفراعنة.. كان سيءّ الطّباع، خبيث العقيدة، ضالّ الفكر، متجبّرًا متكبّرًا..!!
هامان... كان وزيرًا لفرعون يستشيره في أمور البلاد وينفّذ أوامره ويطيعه طاعةً عمياء..!!
الشعور الاميركي الذي يعبر عنه فرعون البيت الابيض (دونالد ترامب).. بالاستعلاء، والتفوق، والقدرة على فرض الشروط، والمطالب، واجبار الدول والشعوب على الخضوع، من فرض الضرائب والجمارك المرتفعة، الى طرد المهاجرين واللاجئين والطلاب وكل من يخالف السياسة الخارجية الاميركية والاسرائيلية ضمن الجامعات او في ميدان الاعلام والصحافة، ولا يمكن تجاهل الاعلان الصريح عن الرغبة الاميركية في ضم دولة كندا، ومقاطعة غرينلاند الدانمركية، واعادة السيطرة على قناة باناما مجدداً كما الى التصريح والتهديد بضرورة وضع اليد على ثروات اوكرانيا المعدنية مقابل دعمها او ما سبق ان تم دعمها به.. وفوق كل هذا الاعلان الاميركي المتكرر عن ضرورة تهجير سكان غزة، والاستيلاء على غزة، واعتبارها قطعة ارض صالحة للاستثمار السياحي، وليست وطناً لشعب فلسطيني محتلة ارضه ومسلوب الحقوق ويتعرض لابشع عملية ابادة عرفها التاريخ على يد شذاذ الآفاق.. بقيادة نتنياهو.. لدرجة ان أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من العريش المصرية، أن قطاع غزة هو «مليونا شخص تحت الحصار» وليس «مشروعاً عقارياً.. ولا يمكن تجاهل قصف شمال اليمن، بشكل تدميري منهجي، يتجاوز حجم المواجهة مع ميليشيا الحوثي..!!
كل هذه المواقف والقرارات تتناغم، بل تتطابق بشكلٍ كامل مع السياسات الاسرائيلية، التي يتم الاعلان عنها على لسان نتنياهو (هامان تل ابيب).. بصوتٍ جلي، ونبرة عالية، وبمفردات واضحة، من الرغبة في ضم الضفة الغربية لفلسطين المحتلة، والاعتراف باسمها الجديد (يهودا والسامرا).. كما ورد في كتاب اليهود المقدس، تهجير مواطني قطاع غزة، بتناغم كامل مع فرعون واشنطن، والاستيلاء على ثروات القطاع البحري، من غاز ونفط، واعادة المستوطنات الصهيونية التي تم تفكيكها عام 2005، خلال مرحلة حكومة ارييل شارون، واستمرار الاعتداءات على لبنان وسوريا واليمن وتهديد استقرار الاردن، والعراق، ومصر مؤخراً والتصريح بأن الوجود التركي في سوريا موضع قلق اسرائيلي، لدرجة ان الولايات المتحدة عرضت الوساطة بين الدولتين.. كما ان هامان تل لبيب (نتنياهو) يسمح لنفسه وجيشه برعاية فرعون واشنطن، بقتل النساء والاطفال والشيوخ والصحفيين والمثقفين والمدرسين والمسعفين وكل ما يمكن ان تطاله قذائفه من ارواحٍ بشرية، بهدف القتل ليس اكثر، لارهاب المواطنين اصحاب القضية المحقة، للتخلي عن ارضهم ووطنهم، والاستسلام لمشروع التهجير الاسرائيلي من ارض فلسطينن ولارهاب وتخويف شعوب الدول المجاورة بحيث لا يجروء احد منهم على مواجهة اسرائيل او حتى التفكير بمواجهتها.. برعاية فرعون واشنطن الذي يغطي الجرائم، ويحمي قادة الكيان الغاصب من المساءلة والمحاسبة الدولية كما الانسانية والاخلاقية.. وحتى رفع الصوت لوقف هذه المجزرة المتمادية والمتواصلة من حصارٍ وتجويعٍ وقتلٍ وتدمير..
والاساطيل الاميركية كما ترسانة الاسلحة الضخمة والمتقدمة اضافة الى التمويل المفتوح لاستمرار ارتكاب الجرائم، وتغطيتها بأعذار واهية ومفردات مقززة وعبارات لا تحترم الحس الانساني.. لان كلمة ارهاب اصبحت مفردة ممجوجة، لان من يستخدمها يقوم بادانة جريمة قتل بحق شخص، ولكنه يتجاهل في المقابل قتل وتشريد مئات الآلاف.. مصداقاً لقول الشاعر..
قتل امريءٍ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعبٍ آمنٍ قضية فيها نظر..
ترابط العلاقة بين فرعون البيت الابيض وهامان تل ابيب تجلى في الاستدعاء الآخير من قبل فرعون لوزيره هامان الى البيت الابيض على عجل وبما يتجاوز ويتجاهل القرار الاممي باعتقال نتنياهو من قبل رئيس وزراء دولة المجر القومي المتشدد، وبما يتناغم مع سياسة الولايات المتحدة التي تقضي بحماية جرائم اسرائيل وقادتها.. لمناقشة مستجدات الضغوطات الاميركية على دول المنطقة والتهديدات المتواصلة واحتمال نشوب حرب بين الولايات المتحدة ودولة ايران في حال فشلت المفاوضات التي سوف تجري بين الشيطان الاكبر وايران في دولة عمان.. يوم السبت المقبل..
الخلاصة
لا يمكن الفصل بين المواقف الاميركية والاسرائيلية فالعلاقة بينهما، متطابقة تماماً كما بين فرعون وهامان، تاريخياً، وبالتالي الظن بأن الولايات المتحدة قد تلعب دوراً توفيقياً او وسطياً او حتى ان تكون وسيطاً نزيهاً في المفاوضات او حتى تقريب وجهات النظر بين اسرائيل والدول المجاورة هو امر وهمي وخارج المنطق..
عظمة القوة التي تتحلى بها اميركا اليوم واعتماد اسرائيل الكلي على هذا الدعم الاميركي، وغياب اية قوة موازية عسكرية او اقتصادية لموازنة الوضع الدولي والعالمي.. يزيد من مشاعر الجبروت والتسلط والاستعباد لدى فرعون واشنطن، وبالتالي يبني هامان تل ابيب سياساته وممارساته واجرامه على هذه القوة ويعمل على تعزيز المشاعر هذه لدى ترامب وفريقه.. ولكن منطق التاريخ اقوى من هذه السياسات، وكما اندثر فرعون وجنوده، وهامان وخبثه ومكره واجرامه.. سيتكرر المشهد دون شك.. ولن يتم ذكرهم الا بأسوأ واقبح المفردات والعبارات.. وسوف يتحرر العالم من بطشهما وجبروتهما..