د. صريح صالح القاز ـ بوابة صيدا
في قطعة صغيرة من هذا العالم، هناك شريط جغرافي يسمى قطاع غزة، لكنه مختلف عن بقية مناطق ومدن الأرض.
إنه بقعة من الألم، تحترق باستمرار بنيران الإجحاف والخذلان، يُباد ويحاصر على مرأى ومسمع من العالم، حتى في يوم عيده.
فبينما تكتسي المدن العربية والإسلامية حلّتها الزاهية، وتتعالى أصوات الضحكات العيدية في البيوت، هناك في قطاع غزة عيدٌ آخر... عيدٌ بلا فرح، بلا طعام، بلا دواء، بلا مأوى، بل وغالبًا بلا حياة.
في قطاع غزة، لا أضواء تزين الشوارع، بل أنقاض المنازل، لا أطفال يفرحون بثياب جديدة، بل أطفال يُكفَّنون.
في قطاع غزة فقط، تطغى أصوات القصف والدمار على أصوات تكبيرات العيد.
الموت في قطاع غزة ليس استثناءً، بل هو الأصل.
آلة القتل الإسرائيلية لا تفرّق بين بيت ومستشفى، بين مدرسة ومسجد، بين رضيع وشيخ.
في كل زاوية من زوايا القطاع، هناك قصة أو مشهد تراجيدي عن عائلة أُبيدت بالكامل، عن أم احتضنت أطفالها تحت الأنقاض، عن أبٍ تسلل ليجلب الخبز ولم يعد.
ليس القصف الإسرائيلي وحده ما يقتل أبناء القطاع، بل الحصار الذي أطبق على أرواحهم لأكثر من ثمانية عشر شهرًا.
فلا غذاء يكفي، ولا دواء يشفي، ولا مأوى يحمي من البرد القارس أو من لهيب الشمس.
المرضى يموتون وهم ينتظرون إذنًا بالخروج للعلاج، والجائعون يبحثون عن كسرة خبز في أكوام الدمار، فيما العالم يكتفي بالتفرج واستصدار بيانات الشجب التي لا تطعم جائعًا ولا توقف قذيفة.
في العيد، تتزين الشوارع في كل المدن، تعج الأسواق بالمتسوقين، تُوزع الهدايا، وتُقام الولائم، إلا في قطاع غزة.
فكل الأسواق خاوية، والمحال بلا بضائع، والأطفال بلا ألعاب، والعائلات بلا مأوى.
العيد في قطاع غزة، كما هو حال فلسطين كلها، ليس مناسبة للفرح، بل موسمٌ آخر للألم، حيث يُدفن الشهداء بدلًا من استقبال التهاني، وتُقام الجنائز بدلًا من الزيارات العائلية.
في الشعوب العربية، تُقام الاحتفالات، تُنشر التهاني، تُصدح الأغاني، عدا قطاع غزة وكأنه ليس جزءًا من هذا العالم العربي والإسلامي وبين جنباته.
كأن ما يحدث هناك شأنٌ لا يعني الأمتين العربية والإسلامية، التي لطالما تغنت بشعارات الوحدة.
أي عيدٍ هذا، والعرب صامتون أمام جراح أبناء قطاع غزة، وكل شعب فلسطين؟
بل إن بعضهم بات يبرر ما يحدث!
في الوقت الذي يعاني فيه أبناء قطاع غزة من الإبادة والحصار، تقف أميركا وحلفاؤها في الغرب داعمين للاحتلال بكل الوسائل الممكنة، سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا.
تُزوَّد إسرائيل بأحدث الأسلحة وأقوى الذخائر الفتاكة، وتُبرَّر جرائمها تحت ذريعة "الدفاع عن النفس"، وكأن الجلاد هو الضحية، والضحية هو الجلاد، وكأن المجازر الموثقة بالصوت والصورة أصبحت مجرد "حق مشروع"!
وبدلاً من أن تقوم أميركا بدعم قرارات محكمتي الجنايات والعدل الدوليتين العقابية بحق مجرمي الكيان الإسرائيلي، سارعت إلى الدفاع عن هؤلاء وشرعت في معاقبة محكمة الجنايات الدولية.
أما المنظمات الدولية، فما زالت تكتفي بتسجيل بيانات "القلق العميق"، وكأن هذا القلق سيمنح طفلاً جائعًا رغيف خبز، أو يعيد الحياة لعائلةٍ دُمرت تحت الأنقاض.
قرارات الأمم المتحدة تُنتهك، والقوانين الدولية تُداس تحت أقدم قادة الكيان الإسرائيلي، والمجازر تمرُّ دون محاسبة، وكأن غزة أصبحت خارج نطاق الإنسانية.
لكن أبناء قطاع غزة، وكل شعب فلسطين، ورغم الجراح، لهم أرواحًا تأبى الانكسار.
هناك في عيون الأطفال الذين حُرموا من بهجة العيد، حلمٌ بغدٍ أفضل، وفي صمود الرجال، إرادة ترفض الاستسلام والخنوع.
قد يُسرق العيد منهم، لكن لن يُسرق الأمل، ولن يُسرق الاستبسال، وستبقى غزة وشعب فلسطين، رغم كل شيء، عنوان العزة والكرامة والشموخ.
فهل يستيقظ الضمير العربي والعالمي يومًا ما، أم أن شعب فلسطين سيظل ينزف بصمت، ولن يجد من يتضامن معه سوى شاشات التلفزة؟
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..