مقالات

د. صريح صالح القاز ـ بوابة صيدا

ما هي أهم الرسائل التي يحملها إطلاق حماس لطائرة مسيرة في سماء غزة أثناء تسليم المجندات الإسرائيليات أمس؟

الرسائل العسكرية:

إن إطلاق الطائرة المسيرة في سماء غزة بعد أكثر من 15 شهرًا على حرب الإبادة والحصار يعتبر استعراضا للقوة، وشاهدًا قويًا على كفاءة حماس وجدارتها عسكريًا.

فمن استطاع أن يحتفظ بمثل هذه المسيرة التي ترمز إلى التقدم العسكري في هذا الظرف العصيب، لا شك أنه يحتفظ بالكثير مما دونها من أسلحة، ويؤكد أن حماس تعيش قفزة نوعية في القدرات العسكرية. فمثل هذه الطائرات ليست مجرد أدوات للتجسس فحسب، بل يمكن استخدامها في عمليات هجومية دقيقة تستهدف مواقع حيوية في عمق إسرائيل، وتنفيذ عمليات استباقية، ومراقبة تحركات القوات الإسرائيلية، مما يمنح حماس ميزة استراتيجية على الأرض.

هذا التقدم يعكس قدرة حماس على تجاوز القيود المفروضة عليها بفعل الحصار، ويبعث القلق لدى جيش الاحتلال ويدل على براعتها التكتيكية والابتكارية وقدرتها على التكيف في ظل الظروف القاسية ويعكس أيضا مهاراتها الهندسية وتمكنها من صناعة مثل هذه الطائرات من خلال تحوير وبلورة بعض المواد والوسائل المحدودة والبسيطة المتاحة.

الرسائل السياسية:

إن عملية الطيران في "ميدان فلسطين" تبين السيطرة الواضحة لحماس على الأرض، وتدل أنها اللاعب الرئيسي في أي مفاوضات مستقبلية. هذه الرسالة القوية تصل إلى المجتمع الدولي، مؤكدة أن حماس لا تزال فاعلة ومؤثرة، وأن أي محاولة لتهميشها ستكون غير مجدية.

علاوة على أن هذه السيطرة تعزز من موقفها أمام الفصائل الفلسطينية الأخرى، مما يزيد من قوتها السياسية.

كما يعكس تزامن تحليق المسيرة مع مشاركة سرايا القدس وكتائب القسام في عملية التسليم وحدة الفصائل الفلسطينية.

هذا التعاون بين الفصائل يمكن أن يؤدي إلى استراتيجيات أكثر فعالية في المستقبل، ويقوي موقف المقاومة أمام الاحتلال. ويضاعف الدعم الشعبي ويوحد الجهود نحو الأهداف الوطنية المشتركة.

فضلا عن أن هذا المشهد يستخدم كوسيلة لإعادة تشكيل الرأي العام الدولي حول القضية الفلسطينية، مما يجعل حماس تستغل هذه اللحظات لتعزيز روايتها حول صوابية المقاومة وحق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم وأرضهم.

الرسائل المعنوية:

حين يتفاجأ الشعب الفلسطيني بتحليق الطائرة المسيرة وقيامها بإلقاء الحلوى والورود بعد ما جرى من إبادة إسرائيلية وحصار في قطاع غزة، فإن ذلك يرفع من معنوياته ويعزز قناعته بجدارة رجال المقاومة، ويشير إلى أن استبسال المقاومة بقيادة حماس قد حرر الأجواء واستبدل الطائرة الإسرائيلية المعادية التي كانت تلقي القنابل وتزرع الخوف، بطائرة فلسطينية صديقة تلقي الحلوى والورود وتبعث الأمان.

مما ينمي الدعم الشعبي والثقة في المقاومة، ويؤدي إلى تمتين التلاحم والإرادة الشعبية في مواجهة الاحتلال، ويزيد من المشاركة الشعبية في الأنشطة المناهضة للاحتلال.

ولاشك في أن تسليم المجندات بزيهن العسكري وبصحتهن الجيدة برفقة عناصر من حماس تحمل بنادق إسرائيلية يؤكد أن المقاومة الفلسطينية لا تزال صامدة وقادرة على اجتراح الانتصارات حتى في أشد الظروف. هذه الرمزية تعزز الإيمان لدى الفلسطينيين بأن النصر ممكن، وتشجع الأجيال الجديدة على المشاركة في المقاومة. وفي الوقت ذاته، تنسف السرديات الإسرائيلية التي تزعم بأن رجال المقاومة متوحشون ومخربون ولا يفهمون ولا يلتزمون بأخلاق الحرب.

مثل هذا المشهد هو نوع من أنواع الحرب النفسية يراد منه زعزعة ثقة المجتمع الإسرائيلي في جيشه، ويعري مزاعم إعلام جيش الاحتلال وقيادة الكيان السياسية (القضاء على حماس وقدراتها).

كما يخلق شعور وقناعة إسرائيلية رسمية وشعبية بأن الجيش الإسرائيلي فشل في دحر المقاومة، ولم يعد الجيش الذي لا يُقهر، وأن المقاومة باقية وستبقى، وأنه لا أمن لإسرائيل إلا بحل الصراع بصورة عادلة تحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.

هذا المشهد يساهم أيضا في بناء هوية جماعية قوية للشعب الفلسطيني ويخلق شعورًا بالانتماء والفخر الوطني.