بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
"حدود إسرائيل هي حيث يقف جيشها", قالتها "جولدا مائير" في سبتمبر ١٩٦٩. وسبقها بهذا الأمر "دايان".
ووقوف الجيش في حدود جديدة يتطلب أن يبقى هذا الجيش في حالة حرب. غير أن العقبة التي تواجه الجيش في الحدود الجديدة، هي أصحاب الأرض الشرعيين الذين لن يتخلوا عن أرضهم. وهذا يستلزم استخدام قوة السلاح ضد هؤلاء. وهنا تتجلى عقيدة "فلاديمير جابوتنسكي" أبو الصهيونية التصحيحية أو التنقيحية، حين قال "فلو سقطت البندقية لحظة واحدة من أيدينا، لفقدنا حياتنا". ومعنى هذه العبارة أنه وبعد اغتصاب الأرض يلزم عدم إغفال أصحاب الأرض وذلك بالقبض على السلاح والقتل المستمر.
وهنا تنقلب تسمية عصابات الجيش المعتدي من جيش إرهابي إلى "قوات الدفاع". من وجهة نظر المعتدي.
لكن، الدفاع عن ماذا؟ وهل يحق للغاصب أن يدافع عما اغتصبه من حقوق للآخرين، ويقتل ويعربد ويعيث فسادا فيها باسم الدفاع؟.
بل ما هذه الدولة التي يشكل الإرهاب جزءا عضويا من بقاءها وشرطا لوجودها؟
لقد استولت العصابات الصهيونية على فلسطين بحجة "الأرض الموعودة". ثم التهمتها شيئا فشيئا تحت ذريعة التوسع بحجة الأمن. ومن المعروف بأنها حصلت عام ٤٨ على مساحة أكبر بكثير مما نص عليه قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة.
وظلّ الأمن والحفاظ على الوجود حجتها المتجددة، حتى التهمت فلسطين بالكامل عام ٦٧. كما قضمت أراض من مصر وسوريا ولبنان بالأضافة إلى الضفة الغربية التي كانت تحت سيطرة الدولة الأردنية وقطاع غزة الذي كان تابعا للإدارة المصرية. وبقي الأمر على ما هو عليه حتى كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، حيث تنازلت عن بعض ما احتلت تنازلا فخريا فقط.
ولطالما كانت دولة الاحتلال هي المعتدية بحجة أن عدوها ينوي ضربها وبالتالي يهدد أمنها ووجودها. كما حدث في ١٩٥٦ و١٩٦٧ وغزو لبنان والإغارة على المفاعل النووي العراقي وعلى تونس وغير ذلك.
وكان القوام الأساسي لهذه الحروب التي تسميها دولة الاحتلال "حروب وقائية"، أن تتغدى بعدوها قبل أن يتعشى بها. ويتبع ذلك نقل ميدان المعركة إلى أرض ذلك العدو من اللحظة الأولى والقضاء عليه في أقصر وقت.
غير أن ما حدث في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ قد قلب تلك المعادلة التي انتهجتها دولة الاحتلال منذ قيامها واقصد بذلك الحروب الوقائية، فكان السبق للمقاومة الفلسطينية هذه المرة. وكانت عملية السابع صفعة قوية لاستخباراتها. وبحسب حركة حماس أن الحركة قامت بهذه الضربة لأن دولة الاحتلال كانت قد وضعت خطة لاجتياح القطاع وإعادة احتلاله.
وهنا استنجدت دولة الاحتلال بالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، فجاء المدد الشيطاني الذي تسبب بحرب لم يشهد التاريخ مثل بشاعتها من قبل. تفنن خلالها جيش العدو ومرتزقة العالم بالقتل والتدمير والتبشيع والانتقام، وخاصة بعد أن مرغت المقاومة الفلسطينية كرامتهم بوحل غزة.
واليوم يصرح قادة الاحتلال انهم انتصروا واحتلوا الشمال، غير أن حسابات الحقل غير حسابات البيدر. فالشمال الذي يدعي الجيش أنه قضى فيه على عناصر المقاومة، لا زالت المقاومة تخرج من مناطقه المختلفة، وتمطر مستوطنات الغلاف بصواريخها.
ويؤكد ذلك ما جاء في مقال نشر بتاريخ ٣ يناير ٢٠٢٥ في هآرتس للكاتب "عاموس هرئيل" من أنه "وبعد ٣ أشهر من القتال في مخيم جباليا والدمار الكامل للمستشفيات في المخيم والقتل الهائل، من الصعب الحديث عن استسلام استراتيجي لحماس. المقاومة العسكرية للحركة ضعفت وكفة الجيش هي الراجحة في كل الاشتباكات (على حد زعمه). ويتواصل الإخلاء القسري والعنيف للسكان المدنيين من كل الربع الشمالي من القطاع. لكن هذا كله لا يحقق النصر المطلق". انتهى.
وينتقل كاتب نفس المقال للحديث عن دعوات في المنظومة السياسية إلى توسيع العملية إلى مدينة غزة جنوبي جباليا وتطبيق "خطة الجنرالات".
والسؤال هنا هو كيف سينتقل الجيش إلى مدينة غزة وهم لم ينتهوا من جباليا بعد. ثم يتحدثوا عن احتلال القطاع بالكامل واستيطانه من جديد. بل ويدعو بعض الساسة إلى تحويل غزة إلى "تشرنوبل" ثانية.
وكيف سيتم ذلك وقد فتحت دولة الاحتلال على نفسها عدد من الجبهات الخطيرة، وخاصة بعد احتلال مناطق في سورية، وغليان الأوضاع في الضفة الغربية وجبهة لبنان واليمن وإيران.
هل ستتمكن من السيطرة على كل تلك الجبهات وتوسيع حدودها وتثبيتها حيث وضع جنودها أقدامهم؟
وماذا سيكون دور "دونالد ترامب" حين يستلم الحكم في ٢٠ يناير ٢٠٢٥ وخاصة أنه يتوعد الشرق الأوسط بالجحيم إن لم تفرج حماس عن أسرى الاحتلال؟
ينهبون خيراتنا ثم يقتلوننا بها ويتوعدوننا بالجحيم... فأي مهزلة تلك التي نعيشها؟
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..