بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
لطالما ظن قادة الاحتلال أنهم يفهمون العرب جيدا، وأن اللغة الوحيدة التي يمكن التعامل معهم من خلالها هي القوة.
غير أنه ومنذ قيامها عام ٤٨ وأحداث المنطقة تثبت عكس ظنهم، وأن تقديراتهم كثيرا ما أخطأت.
والأمثلة على ذلك كثيرة. نذكر منها حرب أكتوبر ٧٣، حين عبر الجيش المصري قناة السويس في شهر رمضان خلال ٦ ساعات.
وفاجأوا جنود اليهود الذين كانوا ما بين نائم أو منشغل بغسل ملابسه، كما أن اتصالاتهم اللاسلكية كانت مقطوعة، بالرغم من حصول قيادتهم على معلومات تفيد بموعد الهجوم من طرف أحد الزعماء العرب. بيد أن تقديراتهم بسبب تحليلاتهم الغير موضوعية، أخطات.
فالاعتماد على القوة لإحراز الانتصارات والاستهانة بالعقلية العربية، هي من سوء التقدير الذي وقع به الاحتلال ولا زال.
فهل توقعت دولة الاحتلال عملية مثل عملية السابع من أكتوبر/٢٠٢٣ أن تحدث ذات يوم؟
بالطبع لا. لأنها لو قدرت قوة المقاومة الفلسطينية، فإن هذه الصفعة لم تكن لتحدث. وحتى بعد يوم ٧/ أكتوبر عندما بدأت دولة الاحتلال عدوانها على القطاع، لم تكن تقديراتها دقيقة بالنسبة لصمود المقاومة، ولعلها كانت متأكدة أنها أي المقاومة سوف تستسلم منذ أول أسبوع ربما أو أسبوعين، دون خسائر تُذكر لها.
لكن الصدمة كانت تكمن في القوة التي أصبحت عليها المقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها وخاصة كتائب القسام، وشراسة القتال الذي تخوضه عناصرها ضد جيشها النظامي. كما صدمها ثبات الشعب الغزاوي واحتضانه للمقاومة.
فما كان منها إلا أن عوضت عن ذلك بارتكابها عمليات الإبادة الجماعية وتدمير وتخريب كل ما تطاله آلتها الهمجية من بنى تحتية وقتل وانتهاكات يعجز اللسان عن وصف فظاعتها ويسكت الكلام أمام دمويتها.
لكن وبالرغم من كل ذلك وبعد مرور ٤٤٩ يوما لم يستطع "بنيامين نتنياهو" تحقيق أي هدف من تلك التي وعد بتحقيقها منذ بداية الحرب. لذلك نراه يتوسع كالمجنون بدعم أمريكي غربي في لبنان بعد الهدنة مع حزب الله، ويمني نفسه بالاستيلاء على الليطاني. كما توسع في سوريا بعد سقوط النظام السوري السابق. أما في غزة فيسعى إلى تنفيذ خطة الجنرالات والاستيلاء على الشمال، والحال في الضفة الغربية ليس بأفضل، فها هو وزير المالية المتطرف "سموتريتش" يقيم البؤر الاستيطانية في مناطق الحكم الذاتي.
وهنا نستذكر قول قديم ل "ناثان فاينستوك" وهو كاتب فرنسي وصهيوني سابق، ينطبق على "نتنياهو" وعصابته من الليكود.. يقول فيه "من نصر إلى نصر تركض إسرائيل نحو خرابها".
ولعل "نتنياهو" أيضا يؤكد اليوم صدق نبوءة عازف الكمان اليهودي العالمي "منوحين" الذي قال "نحن أسوأ أعداء لأنفسنا.. وإذا لم نقم بتقييم جديد لموقفنا الأخلاقي فسندمر أنفسنا".
وقد ينتهي الأمر ب "نتنياهو" إلى مصير مشابه لمصير "شايلوك" اليهودي المرابي في رواية "تاجر البندقيه". فعندما خاطبه بطل الرواية قائلا له عندما عجز عن سداد دينه: "على اليهودي أن يكون رحيما" . فيرد عليه "شايلوك" الذي وقعه على شرط ينفذه البطل في حال عجزه عن السداد: "وما الذي يحوجني إلى ذلك؟"
فيصر "شايلوك" على تنفيذ الشرط وهو اقتطاع ٣ أرطال من لحم صدر البطل.
غير أنه في نهاية الرواية يخسر كل شيء.
و "شايلوك" الاحتلال اليوم "نتنياهو" يريد التوسع "أرض إسرائيل الكبرى" والسلم "التطبيع" معا وهذا هو جنون القوة وسوء التقدير.
ففي خضم هذا كله وبعد استهداف القدس المحتلة اليوم ٢٨/ديسمبر بصواريخ من بيت حانون الذي يعمل فيه جيش الاحتلال منذ عام والمفترض أنه قضى على المقاومة فيه، تأتي تصريحات الاستغراب والدهشة على لسان مراسل إذاعة جيش الاحتلال:
"المدهش في إطلاق الصواريخ من قطاع غزة اتجاه القدس المنطقة التي أُطلقت منها الصواريخ، ليست وسط القطاع ولا خان يونس، وهي المناطق التي تطلق منها حماس صواريخها عادة، بل بيت حانون، حيث يعمل جيش الاحتلال منذ عام كامل، وخاض في هذه المنطقة عمليات برية متكررة ومتواصلة".
وهنا فإننا نقول أن على "شايلوك" الاحتلال أن يعيد حساباته ولا يعتمد على القوة وسوء التقدير قبل أن تأتيه الصفعات من المناطق التي يظن أن جيشه قضى فيها على المقاومة.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..