بقلم حسان القطب (مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات) ـ بوابة صيدا
امام التطورات السورية المتسارعة امنياً وسياسياً، وتبدل موازين القوى العسكرية، مع تمدد قوى الثورة السورية المعارضة، في محافظات متعددة، ووسط انهيار جبهة النظام السوري الحاكم، التي تتضمن ايران وروسيا والعراق وميليشيات باكستانية وافغانية وعراقية ولبنانية، لا بد من قراءة اولية للواقع السوري والاسباب التي ادت الى هذا الانهيار..
لا يمكن لاي نظام سياسي وامني ان يستمر في السلطة مستندا الى دعم عسكري خارجي، اذ لا بد له من تقديم رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية موضوعية تضمن التفافاً شعبياً حوله، وان ينظر اليه على انه حاضنة قادرة على القيام بمسؤوليات السلطة دون الحاجة لتواجد عسكري اجنبي على الاراضي السورية يعتبره المواطنون الوطنيون بانه شكل من اشكال الاحتلال والوصاية الخارجية واعتداء صارخ على السيادة والاستقلال وحرية القرار الوطني السوري..
كما يجب اشراك مختلف مكونات الشعب السياسية والدينية والثقافية والحضارية في تركيبة السلطة دون تمايز او استعلاء او فوقية كما هو الحال الان..
اين أخطأ الاسد..
الخطأ القاتل الذي ارتكبه بشار الاسد، هو انه اعتبر ان نظامه ووجوده شخصياً على راس السلطة اصبح مطلباً دولياً واقليمياً وحاجة وطنية ايضاً، بعد ان انتشرت مفاهيم الارهاب والتكفير والتشدد والتطرف حول المعارضة السورية التي انتفضت شعبياً عام 2011، ضد نظام القمع والتشدد والحرمان والممارسات البوليسية، وفوق كل هذا وضع اليد من قبل العائلة الحاكمة على الاقتصاد السوري والتصرف بالسياسة الخارجية وكأن سوريا خارج منظومة العالم العربي والاسلامي..
كيف ترسخت قناعة الاسد بانه حاجة وضرورة واستمراره ضمانة...
اعتبر ان ايران بحاجة اليه لانه ممر الزامي الى لبنان، لدعم نفوذ حزب الله المتنامي، وكذلك لوجود جبهة وتماس سوري – اسرائيلي على جبهة الجولان المحتلة، مما يعزز الوجود العسكري الايراني وحزب الله من جبهة لبنان مع فلسطين المحتلة وامتداداً مع جبهة الجولان المحتلة.. والوجود العسكري الايراني في سوريا يضمن استقرار النظام وورقة مساومة امام الدول العربية والمجتمع الدولي وكذلك اسرائيل التي تخشى حرباً مفتوحة على حدودها الشمالية مع سوريا ولبنان...
واعتبر ان عدم انخراطه في الحرب ضد اسرائيل بعد انطلاق معركة طوفان الاقصى، والطريق الى القدس في فلسطين ولبنان، ورفضه المشاركة، يعطيه ضمانة اسرائيلية بأن دوره ايجابي ولا يشكل خطر على اسرائيل، ومنعه حزب الله والميليشيات الايرانية من استخدام جبهة الجولان كان اكبر دليل.. وهذا شكل احراج لحزب الله وايران على حد سواء..
وكذلك رأى الاسد ان التدخل الروسي لم يكن فقط لحماية نظامه ودوره ولكن لحاجة روسيا الى موطئ قدم على البحر الابيض المتوسط، من خلال التمدد والمرابطة بموجب معاهدة رسمية في مطار حميميم العسكري شمال سوريا، وكذلك بالقواعد البحرية في طرطوس وبانياس واللاذقية على البحر الابيض المتوسط.. مما يعطي الاسطول الروسي قدرة على التحرك والتموين دون العودة الى البحر الاسود والمرور عبر الممرات الدولية التركية (البوسفور والدردنيل)..
الدور التركي المحدود والمنضبط في شمال سوريا، وخاصة مع بداية تراجع الثورة بضغط عربي وتركي ودولي، اعطى الاسد فهماً مضللاً بانه قد خرج منتصراً من حربه ضد المعارضة بعد دعم روسي – ايراني، وتراجع عربي ودولي وخاصة تركي..
الخوف التركي – الايراني من تطور الدور والحضور الكردي في شمال سوريا، والطلب من الاسد التعاون في هذا الملف اعطاه ثقة متزايدة بأهمية وجوده على راس السلطة..
العودة العربية المحدودة والمشروطة من قبل بعض الدول العربية وخاصة الخليجية منها اعتبرها الاسد مؤشر على ضرورة استمراره عربياً بعد القطيعة والعداء والانفصال.. فاستمر في فتح ممرات التهريب عبر الحدود البرية كما البحرية للدول العربية والغربية وخاصة عبر الاردن، ولم يستمع للنصائح العربية بضرورة وضع حد لهذه التصرفات والممارسات الخطيرة، وظن ان التلويح بتهريب المخدرات قد يقدم له فرصة للضغط اكثر للحصول على مكاسب سياسية واستقرار في السلطة لمدة اطول...
المماطلة بعودة النازحين واللاجئين السوريين في الدول المجاورة، بذريعة اعادة الاعمار بينما كان الاسد يعمل على استغلال هذا اللجوء للضغط على الدول المجاورة وليستفيد من الدعم الدولي للاجئين بالعملة الصعبة والدولار واليورو التي يحتاج اليها نظامه..
الخلاصة..
بناءً على كل هذه المعطيات عاد الاسد الى ممارسة سياسة البطش والقمع بحق المواطنين السوريين خاصة العائدين منهم من النزوح، حيث قام بسجن واعتقال وتجنيد الكثير منهم.. كذلك استمر في منهجه القائم على الديكتاتورية المطلقة، وتراجع عن متابعة مفاوضات استانة مع روسيا وتركيا وايران، مستنداً الى الدعم الايراني – الروسي، ومتجاهلا الدور التركي والضغط الدولي، ولم يعد يلقي بالاً بالقرار الدولي 2254، الذي يرسم مسار التسوية السورية بطريقة ديموقراطية.. ورفض التفاوض مع المعارضة باعتبارها كما تقول ايران ارهابية وتكفيرية ومتطرفة..
لذلك كان لا بد من الخروج من نفق المراوحة والمماطلة واطلاق عملية عسكرية تعيد اطلاق المفاوضات للبحث عن حل للداخل السوري وتامين الاستقرار الاقليمي...