"اقتلوا كل عربي تصادفونه، واحرقوا جميع الأشياء القابلة للاحتراق، واقتحموا الأبواب بالمتفجرات"
جاءت هذه الأوامر على لسان قائد عملية لواء كرملي "مردخاي مكليف" إلى قواته المسؤولة عن تطهير حيفا من أهلها الشرعيين.
"المقص" بالعربيه، "مسباريم" بالعبرية.. هو اسم أطلق على العملية الصهيونية التي استهدفت المنطقة المحيطة بمدينة حيفا ضمن العملية في مرحلتها الأولى.
ويشير اسم العملية إلى حركة الكماشة أي فصل المدينة عن الأرياف المحيطة بها.
وكانت حيفا من المدن التي خُصصت حسب خطة "الأمم المتحدة" لتكون من نصيب الدولة اليهودية لوجود أضخم ميناء رئيسي في فلسطين فيها وهو ميناء حيفا. وقد كان هذا الميناء هو المحطة الأخيرة في مسار انسحاب الجيش البريطاني من فلسطين والذي كان من المفترض أن يكون في أغسطس. غير أن بريطانيا قررت تقديم موعد الانسحاب إلى شهر مايو، وتقصدت ذلك بهدف أن تعم الفوضى في البلاد ويتاح للصهاينة قضم أكبر مساحة من أرض فلسطين عن طريق المذابح والتهجير.
وكان من المفروض على الجيش البريطاني أن يبقى ليحافظ على الأمن والنظام حتى موعد انتهاء الانتداب أي إلى ١٥/مايو.
وفي تاريخ ١٨/ابريل استدعى الميجر جنرال "هيو ستوكويل" قائد القطاع الشمالي البريطاني الذي كان مقره حيفا، ممثلي اليهود في المدينة وأخبرهم بأن بريطانيا ستنسحب خلال يومين من مواقعها. وكانت هذه المواقع تشكل منطقة عازلة بين المجتمع الفلسطيني واليهودي، لكن بريطانيا بانسحابها ستجعل من المنطقة العربية منطقة مباحة للعمليات الإرهابية الصهيونية. فاستُبدِلت عملية "المقص" بعملية أخرى سميت "إزالة الخبز المختمر" بالعربية، و "بيعور حميتس" بالعبرية، ويرمز اسم العملية للتطهير الكلي، وهو اسم ديني يشير إلى فريضة يهودية مفادها "تطهير البيوت من أي أثر للخبز أو الطحين عشية عيد الفصح، لأنه محظور على اليهود تناولهما خلال الصوم. وهذا فيه إشارة إلى عملية تطهير عرقي وحشية ستحصل ،جعلت من الفلسطينيين مكان خبز وطحين عيد الفصح.
ومن سوء حظ عرب حيفا أن الأحياء اليهودية الحديثة كانت في المرتفعات العليا من جبل الكرمل وبالتالي كانت تشرف وتسيطر على الأحياء العربية.
كما أنها خلت من قوات الإنقاذ وكان فيها مقاومون فلسطينيون ومتطوعون عرب. يمتلكون بنادق بريطانية وفرنسية من مخلفات الحرب العالمية الأولى، ناهيك عن النقص في الذخيرة. بينما لواء كرملي فإنه كان يمتلك العربات المصفحة ومدافع الهاون ومدافع رشاشة وغيرها من الأسلحة المتوفرة بكميات كبيرة لديهم وكان تعدادهم ٣٠٠٠ مقاتل بعكس المقاومة الفلسطينية التي لم تتجاوز ال ٤٥٠ مقاتلا.
ويُذكر أنه من ضمن الأسلحة التي استخدمها لواء كرملي لتطهير المدينة، براميل نفط وألغاما بحرية كروية محشوة بالمواد المتفجرة، كان يتم دحرجتها من المناطق اليهودية المرتفعة على الأحياء العربية الواقعة في الأسفل.
وتذكر المصادر التاريخية أن العصابات الصهيونية التي أرعبت السكان وارتكبت بهم الفظائع. ولأن ذاكرة الوطن محشوة بالتواريخ الساقطة فقد كان فجر ٢٢/نيسان من هذه التواريخ حين دفعت تلك العصابات بأهل حيفا نحو الميناء، فتدافع المئات وسط صراخ الأطفال وأنفاس المتدافعين، فامتلأت القوارب وانقلب أكثرها وغرق ركابها.
ترك أهل حيفا يومها خلفهم البيوت والطعام ساخنا على الطاولات، وترك الأطفال ألعابهم وكتبهم وألوانهم وكأن الزمن توقف عند تلك اللحظة فاحتفظ بها الذاهبون، يتوارثونها جيلا بعد جيل لكي لا ينسوا بأن هناك مدينة اسمها حيفا كانت هنا وستنتفض يوما تزيل رماد الحزن من فوق جمار العودة التي تتقد هناك إلى اليوم وتنتظر الرجوع....
واليوم التاريخ يعيد نفسه في غزة، فالعصابات الدموية هي ذات العصابات، والخيانات هي نفس الخيانات إلا أنها اليوم معلنة ووقحة. وبراميل النفط انقلبت صواريخ وقنابل تلقى من سماء غزة على غزة لا من الأحياء المرتفعة على جبل الكرمل، والبيوت انقبلت خيم واهنة لا تستطيع صد هبة ريح فكيف بقنابل زنتها آلاف الأرطال، وعملية إزالة الخبز المختمر" لا زالت مستمرة وتنفذ بأهل غزة على مدار الساعة. ولا زال صوت مردخاي يتردد: اقتلوا كل عربي تصادفونه..
إلا أن المعادلة تغيرت فأهل غزة اليوم يتشبثون بأرضهم غير مبالين بالمجازر ولا بالحصار ولا بالتجويع. ومقاومة غزة لا زالت تقف على قدميها ترتكب المقتلة تلو الأخرى بعصابات الاحتلال.
اليوم لن تستطيع أسلحة العالم مجتمعة أن تدفع بهم نحو قوارب الذل ولن يتركوا بيوتهم حتى لو كانت خياما ولن يتركوا غزة حتى لو أبادتهم آلة العدو جميعا..اليوم أهل غزة يصرخون في وجه العالم أجمع بصوت واحد.. إما غزة وإما غزة...
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..