بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
يقول "ثيودور هيرتزل" الأب الروحي للحركة الصهيونية حول إنشاء مشروعه الخاص المتمثل ب "الكومنولث اليهودي " في كتابه "الدولة اليهودية" الذي أطلق عليه اسم كراس: "يتطلب مشروعي استخدام قوة دافعة وموجودة بالفعل... ما هي هذه القوة؟ إنها محنة اليهود".
ويقصد "هيرتزل بمحنة اليهود تعرضهم للاضطهاد حول العالم، وقد تحدث في كراسه المذكور آنفا عن تصورين للمسألة اليهودية أحدهما ينطوي على تقييم جديد لظاهرة "العداء للسامية"، أي استغلالها لأنه اعتبرها آنذاك "نافعة للخلق اليهودي".
وعندما سُئل عن طبيعة الخروج الجماعي، بمعنى كيف ستجبر الآلاف من يهود الشتات على الهجرة إلى فلسطين حينما استقر الاختيار عليها كوطن لهم، أجاب بصراحة "لن يشعر أحد بالاقتلاع لأن التربة بأكملها سوف تذهب بمعية الخارجين".
أما عن كيف ستتم عملية الاقتلاع وبأية ذريعة، فالحل عنده كان سهلا، وتمثل باستغلال العداء للسامية وإشعال فتيلها، وبهذا الشأن يقول "سوف يصبح أعداء السامية أفضل أصدقائنا المقربين، والبلدان المعادية للسامية من حلفائنا".
ومن هنا نفهم بأن دور "العداء للسامية" شكل ل "هيرتزل" الورقة الرابحة التي سترغم اليهود على إيجاد وطن خاص بهم هربا من الاضطهادات المخطط لها والمتفق عليها من قبل الحركة الصهيونية والدول الأوروبية.
ويُذكر بأن "هيرتزل" وبعد أن تبلورت فكرة مشروعه، انتقل عام 1895 إلى لندن ليجتمع "بإسرائيل زانغويل" من أجل أن يعرض ذلك المشروع على "نادي المكابيين" وهو جمعية أصدقاء تأسست في لندن عام 1891 ضمت عددا من المثقفين والفنانين والكتاب وأصحاب المهن اليهود. نتج عن هذا الاجتماع تنظيم رحلة عام 1897 إلى فلسطين، أطلق عليها اسم "مكابية" تمهيدا لاستيطانها.
كما اجتمع "هيرتزل" في لندن ب "صموئيل مونتاغو" وهو مصرفي يهودي روسي، انضم إلى حركة "أحباء صهيون" وكان قد تقدم بالتماس للسلطان عبد الحميد الثاني من أجل السماح لليهود باستعمار شرق الأردن، بعد أن تذرع بعض المتعصبين والطلاب من اليهود الروس بالاضطهادات التي يتعرضون لها من السلطات القيصريه.
وامتدت نشاطات "أحباء صهيون" إلى أوروبا الغربية تدعو إلى الهجرة إلى فلسطين وإقامة وطن خاص بهم بعيدا عن الاضطهاد.
وفي لندن اجتمعت الأطماع اليهودية والمسيحية للاستيلاء على فلسطين.
فلسطين التي لا تمت لهم بصلة ولا هم يمتون لها بأية صلة، ادعوا بأنها المهد القديم الذي لم ينسوه وأن مجرد اسمها يجتذب جماهير الطبقات اليهودية الدنيا إليها بقوة، ونسي "هيرتزل" الأرجنتين وغيرها من البلدان التي كانت ضمن برنامجه في البداية كمقترحات لوطن لليهود وفضل فلسطين واستغل الدين وهو العلماني الذي لا يعترف به.
واليوم وبعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" ووزير دفاعه السابق "يوآف غالانت" بسبب ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، من عمليات إبادة جماعية وحصار وتجويع واضطهاد وغيرها من الجرائم، نجد "نتنياهو" وغيره من قادة الاحتلال قد أدانوا هذا القرار واتهموه ب "معاداة السامية".
وقال "نتنياهو" في بيان صادر عن مكتبه أن "القرار المعادي للسامية الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية يمكن مقارنته بمحاكمة "دريفوس" وسينتهي بالطريقة نفسها".
أي أن المحكمة ستصدر قرارا في النهاية بتبرئته كما تمت تبرئة "دريفوس".
و "دريفوس" نقيب فرنسي يهودي اتُهم بقضية خيانة ضد فرنسا لصالح ألمانيا.
وكان حينها القضاء الفرنسي يعرف بـ "معاداة السامية" كما المجتمع الفرنسي عامة. غير أن قضية النقيب هزت المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت كما قيل، وانقسم المجتمع ما بين مؤيد ومعارض إلى أن برأت المحكمة "دريفوس"، وأصبحت هذه القضية رمزا للظلم في فرنسا.
ولكن وبالرغم من كل ما ارتكبته دولة الاحتلال بقيادة "نتنياهو" وحزبه من مجازر وجرائم لا أشك أبدا بخروجه من هذه القضايا مثل الشعرة من العجين كما يقال.. والتاريخ يثبت ذلك.. فهل عوقبت هذه الدولة على جرائمها منذ قيامها؟ وهل نجحت المحاكم يوما بإدانتها ومن يشرف على كل صغيرة وكبيرة فيها الولايات المتحدة الأمريكية ورأس الشر؟
وإلا لمَ يؤكد "نتنياهو" وبثقة زائدة أنه لن يتراجع ولن ينسحب من القطاع إلا بعد تحقيق أهدافه التي لن يحققها. ومع عدم تحقيقها ستستمر الإبادة والمجازر بحق أهلنا في غزة.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..