محمد عياش الكبيسي ـ بوابة صيدا
في منشور سابق لخّصت مقابلتي مع أستاذ العلاقات الدولية المخضرم أدموند غريب بأنه مسموح لإيران أن تتفوق عسكريا على الجيوش العربية لكن لا يسمح لها بالاقتراب من مستوى الجيش الإسرائيلي، أما في الجانب الثقافي فمسموح لإيران أن تصدّر ثقافتها إلى محيطها العربي دون سقف ولا حد.
ومعنى هذا أن إيران بالنسبة للغرب دولة وظيفية مهمتها:
1- مساعدة أمريكا في مشروع "الفوضى الخلاقة" وصناعة "دول المليشيات"
2- تخريب ثقافة الشعوب العربية بنشر الخرافة وتأليه البشر، وصناعة دين لا يمت إلى الإسلام بصلة.
وبالفعل أدّت إيران وظيفتها وزيادة، لكنه من الطبيعي أن تفكّر إيران باستغلال هذه الوظيفة لتحقيق بعض أحلامها الإمبراطورية خاصة بعد اكتشافها أن امتدادها الثقافي في المنطقة من السهولة جدا أن تحوّله إلى "أجنحة مسلحة" تدين بالولاء لها وتمارس دور (جدار الصد عنها).
على الضفة الأخرى كانت إسرائيل تراقب الوضع، وبكل تأكيد فإن تسليح هذه المجموعات في خاصرتيها يثير قلقها.
قلت لصاحبي منذ سنوات؛ إن السلاح المليشياوي المتوسط والخفيف مرحّب به أمريكيا وإسرائيليا لأنه يستخدم في قتل العراقيين والسوريين، ولكن ترسانة الصواريخ الثقيلة والبعيدة المدى موجّهة لمن؟
في تقديري أن هناك اتفاقا أمريكيا إسرائيليا اليوم على تقليم أذرع المحور الإيراني، وقد بدا ذلك واضحا من اغتيال قاسم سليماني، ثم تجلى بتصفية قيادات حزب الله بهذه السرعة وهذه الكثرة، ولا شك أن تصفية حماس بالمنظور الإسرائيلي الأمريكي من باب أولى، ويبقى الخلاف المحتمل بينهما - أمريكا وإسرائيل -، وربما هو خلاف أيضا بين الاتجاهات السياسية الأمريكية ذاتها في التعامل مع النظام الإيراني نفسه، بين من يرى أن الحاجة إليه قد انتهت، وبين من يرى الإبقاء عليه مع نزع مخالبه فقط لإمكانية توظيفه مرّة أخرى.
وللتذكير هنا بقاعدة من قواعد التوظيف الغربي؛ أن كل دولة لا تنتمي حضاريا للغرب، لا يقبلها الغرب شريكا حقيقيا، ولذلك مهما كان النظام الذي يحكم مثل هذه الدول متماهيا مع الغرب وسياسته (انظر نموذج الأسد)، إلا أن هذا لا يعني أن يسمحوا للدولة التي يحكمها أن ترتقي إلى مستوى الشريك، ولذلك توضع لكل هذه الدول حدود في التنمية والتعليم والتصنيع فضلا عن التسليح ونحوه.
ووفق هذه الرؤية يمكن القول؛ أن المنطقة مقبلة على تغيّرات جوهرية، فارتخاء قبضة حزب الله مثلا على الدولة اللبنانية لا شك أنه سيعطي لمؤسسات الدولة متنفسا لإعادة بناء نفسها بدءا من الجيش والأمن، ومرورا بالقضاء والتعليم والإعلام والبنوك وحتى العلاقات الخارجية.
وإذا تكرر النموذج اللبناني في سورية و اليمن و العراق بشكل أو بآخر، فلا شك أن هنالك تدافعا ما سيحصل، ولكل دولة ظروفها وخصوصيتها – ولا أحب هنا الدخول في التفاصيل -.
من جانب آخر أعتقد أن الدول العربية المستقرة وحتى تركيا تقرأ الآن المشهد بشكل دقيق، وهي غير مستعدة إطلاقا للمجازفة غير المحسوبة، ولذلك تنأى بنفسها كليا عن هذه الأحداث الساخنة، وعلى الأغلب سيكون لهذه الدول دور مؤثر وفاعل في مشهد ما بعد الحرب، بغض النظر عن طبيعة هذا الدور.
ولكن السؤال الأهم هنا عن شكل العلاقة بين هذه الدول وبين شعوبنا التي تكافح من أجل استعادة دولها واستقرارها في العراق وسورية و لبنان واليمن.
أما الغريب فعلا والخارج عن المنطق الشرعي والسياسي وحتى البراغماتي أن تجد بعض الجماعات (السنّية) ذات التوجه (الإسلامي) في هذه الدول المنكوبة بإيران الآن تفطّنت وراحت ترسل رسائلها لإيران؛ أننا معكم! وقد سمعت مثل هذه الأصوات من داخل العراق ولبنان، مدعومة بفتاوى وخطابات وبيانات من أقطار أخرى! في الوقت الذي أرى فيه عددا ليس قليلا من رموز (الشيعة) وحتى ممن كانوا مؤيدين للخامنئي ونصر الله يعملون الآن على بناء مظلة جديدة بشعارات جديدة للمحافظة على (الطائفة) في ظل ما يتوقعونه من تغيّرات، حتى لو كان ذلك بالتقرب من الدول العربية التي كانوا يعادونها.
هناك من يفسّر تغيّر موقف تلك الجماعات (السنّية) بشعورهم أنهم مستهدفون أيضا بالتغيرات الجديدة المحتملة، ولكن بحكم كثير من التجارب السابقة أعتقد أن الخطاب التعبوي والعاطفي هو المؤثّر في مواقف هذه الجماعات أكثر بكثير من الدراسات الاستراتيجية والموضوعية، ولذلك فنصيحتي لهذه الجماعات؛ لا تشنقوا أنفسكم مرّتين؛ مرة بإيران وما فعلته بكم، ومرة بمن سيأتي بعد إيران.
إن غاية ما نرجوه ونطمح إليه؛ أن ينبثق في زحمة هذه التشابكات والتقاطعات مشروع أمتنا الجامع بدولها وشعوبها، ولو أن تلتقي على الحد التنسيقي الأدنى الذي يضمن لها سيادتها وكرامتها وأمنها واستقرارها.
ـــــــــــــــــــــــــ
أين سيكون موقع شعوبنا المنكوبة بعد هذا الطوفان؟ الحلقة (1)
أين سيكون موقع شعوبنا المنكوبة بعد هذا الطوفان؟ الحلقة (2)
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..