بقلم مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات.. حسان القطب..
كنا نظن او نعتبر ان تعطيل الاستحقاقات الدستورية، هي مجرد سعي لتحسين شروط الدور في ادارة الكيان اللبناني، او تعزيزاً لمشاركة المكون الحاكم بقوة السلاح والميليشيات والهيمنة الاقليمية.. وبعبارة اصح الايرانية.. ولكن تبين لنا كما للكثير من امثالنا، ان تسلط وتجبر وتحكم واستعلاء واستكبار وهيمنة الثنائي الحاكم، لم تعد مسألة مشكوك فيها او موضع تساؤل، او استفهام، او حتى نقاش.. والمعطيات التي تدل على ذلك كثيرة وواضحة وجلية وظاهرة للعيان كما لكل مراقب.. إذ إن تعطيل عمل المؤسسات الدستورية، يؤدي الى افراغ المؤسسات الدستورية من رموزها، وكذلك يؤدي الى تعطيل دورها.. كما الى تعطيل عمل الادارات العامة، نتيجة الفراغ الوظيفي، او الادارة بالتكليف وتصريف الاعمال..
وهذا الواقع الضبابي يعطي هذا الثنائي حرية الحركة والتصرف متجاوزاً اطر المؤسسات الرسمية الدستورية، نتيجة الغياب والفراغ، والقفز فوق دورها.. اضافة الى تجاهل النصوص الدستورية او التفسيرات غير الصحيحة لهذه النصوص.. ولكن النتيجة واحدة، وهي ان هناك مكون سياسي مسلح وله صفة دينية يعلن عنها باستمرار بصورة علنية وواضحة وجلية.. يقود الوطن وباقي مكوناته بالاتجاه الذي يريد والى حيث يريد ..
ومع انخراط الرئيس نجيب ميقاتي، في هذا المسار وهو الغائب عن بيئته والبعيد عن حقيقة وطبيعة معاناتها وما تتعرض له من ضغوطات واستهدافات وبالتالي عن سائر اللبنانيين وباقي المكونات لانه يعتبر انه يستمد دوره وحضوره واستقراره في منصبه من رعاية وهيمنة الثنائي الحاكم.. الذي يتصرف تحت عنوان "محور المقاومة".. وهذا العنوان يستخدم بغية ابعاد او تضليل المواطنين في لبنان كما في العالم العربي والاسلامي، عن الطبيعة الحقيقية لهذا المشروع والمحور الذي تقوده ايران انطلاقاً من لبنان.. وزيارات وزير خارجية ايران المكوكية الى لبنان، وحضور قيادات من الحرس الثوري الايراني الى لبنان دون اعلان يؤكد حجم الترابط والارتباط بل وتبعية هذا الثنائي لهذا المشروع.. واغتيال الضابط والمسؤول رفيع المستوى في الحرس الثوري الايراني في سوريا كشف بناءً على ما أفاد به مصدر مقرب من حزب الله لفرانس برس، في وقتٍ سابق (أن القيادي العسكري الإيراني، محمد رضا زاهدي، الذي قُتل في الضربة التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، كان عضوا في مجلس شورى الحزب)..
والمستغرب هنا أن حزب الله الذي يضم قيادي اساسي غير لبناني في هيئة حزبية رفيعة المستوى، وفي موقع اتخاذ القرارات الاستراتيجية، يطلب من اللبنانيين والعرب والعالم ضمانات، تتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية يحمي سلاحه ودوره.. في مقاربة معكوسة لمنطق حزب الله السابق.. حيث كان يقدم سلاحه وميليشياته على انها ضمانة لحماية لبنان... فأصبح اليوم يطلب ضمانة داخلية وخارجية لحماية سلاحه.. وميليشياته ودوره، وبالتالي عدم مساءلته..ومحاسبته عن اي ممارسة قد تكون موضع ادانة.. او محاسبة..
بناءً على ما اشرنا اليه نتوقف عند الاشارات والتصرفات والممارسات والبيانات والتصريحات التي تؤكد ديكتاتورية الثنائي الحاكم.. وهيمنته على السياسة الداخلية كما الخارجية للوطن.. كما في استخدام الاعلام لاطلاق مواقف تؤدي الى تجريم قوى وفئات واحزاب ومكونات لبنانية اذا لم تخضع لسلطته او تخنع لسياساته:
الملاحظة الاولى والفاضحة: (نشرت صحيفة الشرق الاوسط.. ما يلي.. (أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه سيجيب، الجمعة أو السبت، على الورقة الفرنسية التي تسلمها من سفارة فرنسا لدى لبنان، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنها تضمنت نقاطاً مقبولة وأخرى غير مقبولة لا بد من تعديلها، مفضلاً عدم الدخول في التفاصيل كونها متروكة للنقاش وتخضع للأخذ والرد، و«من غير الجائز التداول فيها إعلامياً قبل الوقوف على رد فعل الجانب الفرنسي ومدى استعداده للتجاوب مع الملاحظات التي سنوردها في ردنا على الورقة بنسختها الثانية التي كُتبت باللغة الإنجليزية بدلاً من الفرنسية، وهذا ما شكّل مفاجأة لنا».
من هنا نفهم تعطيل دور رئيس الجمهورية بل تغييبه بالكامل.. واين السلطة التنفيذية المكلفة بتصريف الاعمال.. وباي صفة يفاوض نبيه بري..... بصفته زعيم ميليشيا او طائفة..؟؟ او رئيس مجلس نيابي تشريعي، وهو الذي يعطل دور المجلس النيابي..؟؟
ومن فوضه التفاوض.. ومن اين استمد تفويضه..؟؟ هل استشار او ناقش او اجتمع مع رئيس الحكومة او وزير الخارجية او وزير الدفاع او حتى مع قائد الجيش ورئيس اركانه او حتى مدير المخابرات لمناقشة بنود المبادرة التي تحدث عنها دون الاعلان عن نقاطها..؟؟
وما هو دور او راي المكونات اللبنانية الاخرى والاحزاب السياسية ايضاً.. في الاطلاع وابداء الراي.. واعلان الموافقة او الرفض.. بل اين الميثاقية التي يتحدث عنها الثنائي عند كل استحقاق والمطالبة بالحوار قبل انتخاب رئيس للجمهورية للتوافق عليه.. فكيف يتفرد الثنائي ممثلا بالسيد بري رئيس المجلس التشريعي للتفاوض منفرداً.. ؟؟ خاصةً وان قبول او رفض هذه المبادرة قد تترك اثرها على مستقبل لبنان واللبنانيين واستقرار الوطن..
ثم من واجبنا ان نتساءل ... من الذي اعطى تفويضاً لهذا الثنائي لاعلان الحرب واطلاق النار تحت عنوان مناوشات فقط، كما قال نصرالله في اكثر من خطاب.. وقد اضاف ايضاً مصطلح (اذا وسعّ العدو وسعّنا).. اي ان المناوشات هي الهدف والغاية والقرار لا اكثر.. ولكن الدمار والخراب والتهجير والنزوح الذي تسبب به فريق محدد وبقرار من هذا الفريق.. يدفع ثمنه لبنان واللبنانيين جميعاً وبشكل اخص بيئة هذا الثنائي التي لم تعد تعرف ماذا بعد..؟؟
وقد سبق هذا التصرف من بري، ممارسته الدور عينه مع ترسيم الحدود البحرية، التي تم اخفاء مضمون ونصوص الاتفاق عن مجلس النواب والشعب اللبناني.. بوقاحة بالغة. رغم ان العدو الصهيوني كان اكثر وضوحاً وصراحةً فقد نشر نص الاتفاق وعرضه على الكنيست الاسرائيلي... للموافقة.. !! ومع المطالبة بنشر نص الاتفاقية المجحفة بحق لبنان ومحاسبة كل من تنازل عن الحقوق الاقتصادية للبنان في المنطقة الاقتصادية التي تم التنازل عنها.. الا انه يجب التوقف عند شرعية ومشروعية مفاوضة نبيه بري للموفد الاميركي، حول الترسيم البحري، بغياب اصحاب الصفة الحقيقية للتفاوض وخاصة رئيس الجمهورية حينذاك الجنرال ميشال عون.. والوزراء الادارات المعنية بهذا الشأن.. وقد اشار بري حينها الى انه كان يتابع التفاوض والمفاوضات بالتنسيق دون تحديد.. وقد خسر لبنان بالنتيجة منطقة اقتصادية مهمة وخسارة مالية بالغة القيمة دون اية محاسبة او مراجعة.. مع الاسف..
وكذلك يمعن الثنائي ممثلاً باداته في مجلس النواب نبيه بري، في تعطيل جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، حتى يخضع اللبنانيون لشروطه او النزول عند مطالبه.. ويكلف الثنائي لذلك مجموعة من الاعلاميين للتحدث على شاشات التلفزيون والترويج لاهمية الحوار، وان لبنان بلد الحوار والتفاهمات وان الميثاقية تتطلب ذلك..؟؟..
ولكن اين كانت هذه الميثاقية والحرص عليها حين قام الثنائي بهجومه على الشعب اللبناني في 7 آيار/مايو من عام 2008.. وتم حينها قتل العشرات وجرح المئات وتدمير الممتلكات في جريمة موصوفة بحق مواطنين ابرياء..
اين كانت هذه الميثاقية حين توجه حزب الله للقتال ضد الشعب السوري في سوريا.. تحت عناوين وشعارات دينية.. وقال نصرالله حينها (نكون حيث يجب ان نكون).. اي ان قرارنا يخدم مصالحنا ومصلحة محورنا وليس مصلحة لبنان ومواطنيه، مما يعني ان الميثاقية التي يطلقها بين الحين والاخر هي لذر الرماد في العيون.. وحين الضرورة..!!
اين كانت هذه الميثاقية حين توجه حزب الله الى اليمن.. واعلن الحرب على دول الخليج العربي والشعب اليمني.. متجاهلا مصالح اللبنانيين وعلاقات لبنان بالعالم العربي والاسلامي..
والامثلة كثيرة.. ولا حصر لها مع الارتكابات والتجاوزات اليومية للدستور والقوانين.. وهذا كله يقودنا الى التالي:
أن الميثاقية المزعومة لا وجود لها في الدستور مطلقا بل هي محض اختلاق لترسيخ اعراف جديدة.. ولكن اداء الثنائي كشف زيف ما يروج له باستمرار..
ان لبنان خاضع اليوم لديكتاتورية الثنائي المسلح والمتحالف مع بعض من لا يفهم المشروع الذي يتحالف معه.. او مع بعض الانتهازيين والمرتشين..
ان هذا الثنائي، يسعى لتامين غطاء داخلي يبرر من خلاله تفرده بالقرارات المصيرية، او بتعطيل المؤسسات الدستورية والاستحقاقات الانتخابية واخرها الانتخابات البلدية لترسيخ هيمنته وقبضته على السلطة.. ومع الاسف البعض ينجرف تحت عناوين ومسميات وشعارات تخدم مشروع ايران وادواتها دون تدقيق او تحقيق..
لذا ولمواجهة مشروع الهيمنة والديكتاتورية.. واعادة الحريات المسلوبة للوطن وشعبه، واحترام الدستور ونصوصه، وسيادة الوطن واستقراره.. يجب العمل على تفعيل وتأكيد وحدة المعارضة التي ترفض وجود سلاح وميليشيات تخدم ارتباطات اقليمية.. وتفرض سلطتها على الداخل اللبناني.. وبالتالي ان تؤكد المعارضة على ان تلتزم الدستور نصا وروحا للمحافظة على ديموقراطية لبنان ونظامه البرلماني، وحماية تعدديته الثقافية والدينية والحضارية واحترام مكوناته وعلاقاته العربية والدولية.. وحماية استقلاله وسيادته واقتصاده وخروجه من حالة الانهيار المالي.. ومنظومة الفساد السياسية والمالية...
ختاماً نقول ان كل من يمعن النظر في الواقع اللبناني يرى ان الثنائي الحاكم بديكتاتورية مطلقة.. قد امعن في تدمير وحدة لبنان وعزز الانقسام الداخلي.. واستقراره بدون اي تردد..... والبحث عن غطاء داخلي او خارجي لن يعطي شرعية لهذا الثنائي او لترسيخ دوره...