أحمد هنيدي ـ (مصر) ـ خاص بوابة صيدا
تسود في المشهد السياسي الإسرائيلي الحالي اتجاهات متطرفة لم تعد مقتصرة على أحزاب الهامش، بل أصبحت تهيمن على دوائر صنع القرار، مما يهدد استقرار الكيان الإسرائيلي نفسه. يأتي هذا الصعود في إطار تحولات مجتمعية وسياسية عميقة تثير تساؤلات حول مستقبل المشروع الصهيوني برمته.
الجذور التاريخية والأيديولوجية للتطرف الإسرائيلي
لم ينشأ التطرف الإسرائيلي من فراغ، بل هو نتاج تطور تاريخي لمشروع صهيوني استعماري بدأ في القرن التاسع عشر. فبعد أكثر من 75 عاماً على تأسيس إسرائيل، لم تحقق الدولة "الأمان" الذي كان الهدف الأساسي لثيودور هرتزل في كتابه "دولة اليهود" عام 1896، مما خلق بيئة خصبة للخطاب المتطرف.
شكلت حرب 1967م منعطفاً حاسماً في تعزيز التيارات الدينية المتطرفة، حيث أدت "نشوة الفخر المتطرفة التي أعقبت حرب الأيام الستة" - كما وصفها الفيلسوف الإسرائيلي يشعياهو ليبوفيتز - إلى تحول الدولة من نموذج القومية العلمانية إلى القومية الدينية المتطرفة. وقد حذر ليبوفيتز من أن هذا المسار سيؤدي إلى مزيد من العنف، يقود في النهاية إلى نهاية المشروع الصهيوني.
عوامل صعود التطرف إلى السلطة
التحولات الداخلية في الأحزاب السياسية
يشهد حزب الليكود الحاكم تحولات عميقة تزيد من حدة التجاذب على المشهد السياسي، حيث أظهر استطلاع لمعهد "أغام" تراجعاً ملحوظاً لـ"الحرس القديم" في الحزب، مقابل صعود شخصيات جديدة تتسم بالخطاب الشعبوي والقدرة على إثارة الجدل.
فقد صعدت تالي غوتليب من المركز الـ25 إلى الصفوف الأولى في قائمة الليكود، لتحل محل وزيرة المواصلات السابقة ميري ريغيف، وتصبح أول امرأة تتصدر قائمة الليكود. كما تصدر أمير أوحانا، رئيس الكنيست، القائمة مقترباً بشكل وثيق من مكانة نتنياهو.
وترى الدكتورة جايل تالشير من الجامعة العبرية ومعهد أغام أن "الاستطلاع يعكس تطرف قائمة أعضاء الليكود حيث يتم دفع الوزراء وأعضاء الكنيست من التيار الوطني الليبرالي إلى الوراء، بينما يتقدم أصحاب الصوت الأعلى (الشعبويين) في القائمة".
الفجوة بين القيادة والقاعدة
تكشف التحولات عن فجوة أيديولوجية متسعة بين القيادة الحزبية والقاعدة الانتخابية، حيث أظهر استطلاغ معهد أغام أن 57% من المسؤولين يريدون تعزيز الطابع اليهودي لإسرائيل، مقارنة بأغلبية ناخبي الليكود الذين يفضلون نهجا أكثر ليبرالية.
تحولات المجتمع الإسرائيلي
وفقاً للمختص في الشأن الإسرائيلي عماد موسى، فإن إسرائيل أمام تغيرات دراماتيكية، سواء على صعيد الأحزاب وأيديولوجياتها وبرامجها أو على صعيد الحشود التي باتت تتسلح بنزعة التدين المتطرف وترفض تقديم التضحيات، ولذلك ترفض التجنيد وترفض المساواة.
أبرز مظاهر التطرف في الحكومة الحالية
الخطاب السياسي المتطرف
· بتسلئيل سموتريش (وزير المالية): أعلن إقرار بناء مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية لـ"دفن فكرة الدولة الفلسطينية"، وسبق أن وصف الفلسطينيين في عام 2023 بأنهم "اختراع وهمي".
· إيتمار بن غفير (وزير الأمن الداخلي): بخطابه المتطرف الذي "يهدد استقرار المسعى نحو حل الدولتين" حسب وصف رئيس الكونجرس اليهودي العالمي.
السيطرة على مفاصل الدولة
يمثل صعود التيار المتطرف في إسرائيل تحولاً من "الصهيونية العلمانية" إلى "الصهيونية الدينية" التي تتبنى رؤية توسعية تستند إلى تفسيرات دينية. وقد حذر الكاتب والصحفي الإسرائيلي ناحوم برنياع من أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية في نوفمبر 2022 تمثل بداية النهاية لعصر الصهيونية العلمانية.
الآثار المدمرة للتطرف على الدولة الإسرائيلية
تهديد السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي
حذر الباحث في الدراسات المستقبلية دافيد باسيغ في كتابه "السقوط الخامس" من أن حرباً أهلية قد تندلع في إسرائيل بحلول عام 2041 بسبب تنامي نزاعات التطرف ولا سيما الديني. وتصور باسيغ أن "الشرارة الأولى ستندلع خلال قمع الشرطة الإسرائيلية تظاهرة نظمها اليمين المتطرف، لتتطور الأمور وتبدأ مجموعات من عناصر الشرطة والجيش في الانضمام للمتظاهرين".
العزلة الدولية وتآكل الدعم الخارجي
دعا رئيس الكونجرس اليهودي العالمي، رونالد ستيفن لاودر، الحكومة الإسرائيلية إلى "شجب التطرف الذي يجتاحها"، محذراً من أن "الصمت على التصريحات والسلوكيات المتشددة قد يُفهم على أنه قبول" بهذه السياسات. وأشار إلى أن التداعيات الدبلوماسية للحكومة الإسرائيلية المتطرفة "واضحة"، حيث أعربت الخارجية الأمريكية عن استيائها، فيما أعرب زعماء أوروبيون عن "مخاوف جدية".
تهديد الأمن القومي الإسرائيلي
وفقاً للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، فإن حالة توحّد المجتمع الإسرائيلي الظاهرية التي نشهدها حالياً ستبدأ في التفكك والزوال بانتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ثم ما يلبث الصراع الديني العلماني في إسرائيل أن يشتعل مرة أخرى، خاصة في ظل صعود أحزاب أقصى اليمين.
مؤشرات السقوط المحتمل للمشروع الصهيوني
الهجرة العكسية وتراجع الهجرة إلى إسرائيل
تشير التقارير إلى أن القرن 21 يشهد موجة هجرة عكسية من الأراضي المحتلة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تجاوز عدد المستوطنين الذين رحلوا عن إسرائيل 750 ألفا حتى نهاية عام 2020، ووصل إلى 900 ألف بنهاية عام 2022. ومنذ 7 أكتوبر 2023، هاجر قرابة نصف مليون إسرائيلي وفقا لتقارير هيئة السكان والهجرة الإسرائيلية.
تصدع التحالف مع الحلفاء
أدى التطرف الإسرائيلي إلى تأكل الثقة مع شركاء إستراتيجيين مثل مصر، حيث أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى توتر العلاقات المصرية-الإسرائيلية وتهديد اتفاقية السلام التي كانت حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي.
تصاعد المعارضة اليهودية العالمية
يواجه المشروع الصهيوني معارضة متصاعدة من مفكرين يهود مثل نعوم تشومسكي وإيلان بابيه وأفي شلايم، الذين انتقدوا السياسات الإسرائيلية واعتبروها تشكل تهديداً للأمن الإقليمي. وقد لعب الرأي العام الإسرائيلي الداخلي والخارجي دوراً كبيراً في الإسراع بوقف الحرب بين إسرائيل وإيران، مفضلاً الحلول الدبلوماسية للصراع في الشرق الأوسط.
مستقبل غامض في ظل سيادة التطرف
تشير كل المؤشرات إلى أن التطرف الإسرائيلي لم يعد مجرد تيار سياسي among others، بل أصبح قوة مهيمنة تهدد الأسس التي قام عليها المشروع الصهيوني. فالتطرف الذي كان في يوم من الأيام ظاهرة هامشية أصبح اليوم هو التيار الرئيسي، مما يضع إسرائيل على مفترق طاريخي: إما الاستمرار في نهج التطرف والعنف الذي يهدد وجودها على المدى البعيد، أو البحث عن مسار جديد يقوم على الاعتدال والحلول السلمية.
كما حذر رئيس الكونجرس اليهودي العالمي، فإن "التاريخ سيحكم على قيادات إسرائيل"، إذا ما اختارت "مسار الرؤية والمسؤولية والوحدة"، أم "تركت البوصلة تُسلَب منها لصالح خطاب الانقسام الداخلي". ويبدو أن إسرائيل اليوم تختار المسار الثاني، مما يضع مستقبلها على المحك.