د. صريح صالح القاز
خطة ترامب للسلام في غزة أثارت جدلاً واسعًا، ليس فقط لأنها تتعلق بأكثر القضايا حساسية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بل أيضًا لأنها ترتبط بطبيعة الدور الأميركي كوسيط، وطبيعة بنود الخطة نفسها.
هذه القراءة تسلط الضوء على أبرز نقاط الضعف الجوهرية التي قد تجعل هذه الخطة عرضة للفشل.
1. أميركا خصم ووسيط وضامن: مكمن الخلل
تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أثبت أن أميركا لم تكن يومًا وسيطًا محايدًا، بل طرفًا منحازًا سياسيًا وعسكريًا للكيان الإسرائيلي. وهذا يجعل أي خطة تُعتمد عليها غير موثوق بها من الطرف الفلسطيني منذ البداية، لأن وجود ضامن متحيّز يحوّل المشروع من وساطة إلى فرض سياسي.
يضاف إلى ذلك تصريحات وقرارات الرئيس ترامب، مثل قوله إن "إسرائيل صغيرة وتحتاج إلى تكبير"، واعترافه بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، واعترافه بسيادة الكيان على هضبة الجولان، وهو ما يقلل بشكل كبير من نزاهة أميركا كوسيط في الصراع.
لذلك، من الضروري وجود ضامن دولي قوي وموثوق — مثل روسيا أو الصين أو آلية متعددة الأطراف — ليكسب الخطة شرعيتها ويعزز فرص تنفيذها والقبول بها.
فغياب مثل هذا الضامن يجعل أي مشروع سلام هشًا من الأساس.
كما أن التاريخ السياسي أثبت أن نتنياهو، برعاية أميركية، يوقع الاتفاقات ثم ينقلب عليها، وهو أمر يقلل ويشكك بشكل كبير في فرص تنفيذ الخطة على أرض الواقع.
2. تكرار تجارب فاشلة
مشاركة توني بلير في إعداد الخطة، بصفته حليفًا للكيان الإسرائيلي، تجعل مصير الخطة قريبًا من مصير "أوسلو" و"خارطة الطريق". فإعادة إنتاج تجربة سابقة دون معالجة جذورها يعني أن الخطة ستكون شبه فاشلة، لأنها بنيت على خلفية تحالفية واضحة مع الكيان، مما يجعلها مشروعًا لتكريس الاحتلال وليس لحل عادل ومستدام.
3. نزع سلاح المقاومة واستمرار تسليح الاحتلال
تتضمن الخطة بندًا يطالب بنزع سلاح المقاومة، بينما لا تحد من تسليح الاحتلال الإسرائيلي.
و هذا ما يمثل ثغرة استراتيجية قاتلة، لأن سلاح المقاومة ليس مجرد أداة عسكرية، بل ضمانة لوجود القضية الفلسطينية.
فليس من السهل أن تتخلى المقاومة عن سلاحها دون زوال أسباب وجوده: احتلال، انتهاكات، وغياب حل سياسي.
أي أن هذا البند يتجاهل البعد الميداني والنضالي للمقاومة، ما قد يجعله عاملاً رئيسيًا في إفشال الخطة.
4. افتقار الخطة لآلية تنفيذ دقيقة
غياب آلية مزمنة ودقيقة لتنفيذ بنود الخطة يفتح المجال لنتنياهو واليمين الصهيوني للمماطلة والتسويف، مما يزيد من فرص فشل الخطة عمليًا سواء قبل الشروع في تطبيقها أو خلاله.
5. غياب رؤية واضحة للقضية الفلسطينية
فأي خطة سلام تحتاج إلى أفق واضح لحل الصراع، بما في ذلك الإشارة إلى دولة فلسطينية وهذا مالم تشر إليه هذه الخطة الأمر الذي يجعلها عبارة عن خطة إدارية للاحتلال بلا أفق سياسي، مما يفاقم مأزق القضية الفلسطينية.
6. غياب قيود على الاحتلال
غياب قيود واضحة على الاحتلال يسمح له بمواصلة انتهاكاته العسكرية والأمنية، وبخاصة في الضفة الغربية مما يحوّل الخطة إلى أداة لشرعنة الواقع الاحتلالي. لأن. هذه الخطة لن تنجح في الوقت الذي يستمر فيه الاحتلال في فرض واقع جديد ضد الحقوق الفلسطينية.
7. التماهي مع تصورات نتنياهو
الخطة تتماهى مع رؤى نتنياهو الذي قال: "لا دولة فلسطينية، ولا بقاء لا لحماسستان ولا لفتحستان". وهذا يجعل الخطة أحادية الجانب، ويزيد احتمالات رفضها داخليًا وإقليميًا.
8. الإقصاء السياسي لحركة حماس
الخطة تُخرج حركة حماس من غزة ولا تُدخل حركة فتح إليها، ما يخلق فراغًا سياسيًا ويضعف أي مشروع سلام أو إدارة فلسطينية موحدة. فأي إدارة غير وطنية ستكون عاجزة عن تحقيق الاستقرار أو التنفيذ، وتفتقر إلى القبول الشعبي.
9. التماهي مع حصار غزة
يفترض بمن يسمون أنفسهم "رجال سلام" ألا يباركوا استمرار حصار غزة، ولا أن يظلوا متفرجين على مئات الأطفال والنساء وهم يموتون جوعًا وعطشًا.
إن جعل الحصار وسيلة للضغط على المقاومة وأبناء غزة والابتزاز بلقمة العيش والدواء، أمر غير قانوني وإنساني، ويكشف النفاق في خطاب من يدّعون السلام ويقوض الثقة في كل ما يطرحونه من خطط حول السلام في فلسطين.
الخلاصة
غياب الضامن المحايد، انحياز أميركا، نزع سلاح المقاومة، افتقار الخطة لآلية تنفيذ دقيقة، غياب رؤية سياسية واضحة، استمرار الاحتلال بلا قيود، التماهي مع تصورات نتنياهو، وإقصاء الفصائل الفلسطينية، كلها عوامل قد تجعل من الصعب تطبيق خطة ترامب بحذافيرها.
سؤال أخير:
هل يمكن لخطة سلام تُبنى على هذه الثغرات أن تحقق أي حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية، أم أنها ستظل مجرد نسخة جديدة من مشاريع السلام الفاشلة السابقة؟
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..