• لبنان
  • الاثنين, أيلول 29, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 11:44:42 م
inner-page-banner
مقالات

نتنياهو: بين الهوس التاريخي والواقع السياسي

عبد الباسط ترجمان ـ بوابة صيدا

في زمنٍ تتطلب فيه القيادة السياسية قدراً من التوازن والواقعية، يواصل بنيامين نتنياهو تقديم نفسه كـ"منقذ الأمة اليهودية" و"كاتب مصير إسرائيل"، في خطابٍ يختلط فيه التاريخ بالأسطورة، والسياسة بالهوس الشخصي.

من مشاريع الضم إلى إنكار الدولة الفلسطينية، ومن تجاهل الإدانات الدولية إلى تصوير نفسه كصوت التاريخ، يبدو نتنياهو وكأنه يخوض معركة وجودية لا سياسية، يرى فيها نفسه فوق القانون، وفوق النقد، وفوق الواقع.

لكن هذا الهوس التاريخي، مهما بدا جذاباً لبعض أنصاره، يُهدد بعزلة دولية (وقد بدأت بالفعل)، وتصعيد ميداني، وانقسام داخلي. فهل يستطيع زعيم مأخوذ بسرديته الخاصة أن يُدير دولة في قلب صراع عالمي؟ أم أن التاريخ الذي يتغنّى به... قد يكتب نهايته السياسية؟

منذ عودته إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، يُواصل بنيامين نتنياهو تقديم نفسه كـ"زعيم تاريخي"، لا مجرد رئيس وزراء. 

خطاباته، قراراته، وتحركاته السياسية تكشف عن "نزعة متضخمة للذات"، ورؤية توسعية تتجاوز حدود السياسة الواقعية، ما دفع كثيرين إلى وصفه بأنه "زعيم مأخوذ بجنون العظمة، يخلط بين التاريخ والأسطورة، وبين الأمن والسيطرة".

فهل نتنياهو يعيش في واقع سياسي؟ أم في سردية ذاتية يرى فيها نفسه منقذًا لإسرائيل من الزوال؟

* نتنياهو لا يخفي اعتقاده بأنه "يمثل لحظة تاريخية فارقة" في مسار الدولة العبرية. 

في أكثر من مناسبة، قال: "أنا في مهمة تاريخية وروحانية، ومرتبط عاطفيًا برؤية إسرائيل الكبرى"

هذا التصريح، الذي أثار جدلًا واسعًا، يُعيد إلى الواجهة أطماع إسرائيل التوسعية، ويُظهر أن نتنياهو لا يرى نفسه مجرد سياسي، بل "قائد ملهم يكتب التاريخ بيده".

* من أبرز تجليات هذا الهوس، دعم نتنياهو لمشاريع "ضم الضفة الغربية بالكامل"، وتجاهله التام للتحذيرات الدولية. 

فهو يرى أن "الحق التاريخي" لإسرائيل يعلو على القانون الدولي، ويُبرر الاستيطان والتهجير، حتى لو أدى ذلك إلى "تفكيك السلطة الفلسطينية" أو انهيار أي مسار تفاوضي.

* في خطاباته الأخيرة، يُكرر نتنياهو أن "لا مكان لدولة فلسطينية"، وأن "السلام لا يُصنع بالتنازلات، بل بالقوة". 

هذا الخطاب يُقصي الفلسطينيين تمامًا، ويُظهر "رؤية أحادية متطرفة"، تُحوّل الصراع إلى مواجهة صفرية، لا مجال فيها للاعتراف أو التعايش.

* رغم الإدانات الدولية الواسعة للعمليات العسكرية في غزة، يواصل نتنياهو الدفاع عنها بوصفها "حربًا مقدسة ضد الإرهاب"، متجاهلًا آلاف الضحايا المدنيين. 

هذا الإصرار يُنظر إليه كدليل على "انفصال عن الواقع الإنساني والسياسي"، وتبنّي خطاب لا يعترف بالمعاناة أو التوازن.

* نتنياهو يُجيد توظيف التاريخ والدين والسيكولوجيا الجماعية، ليُقدّم نفسه كـ"الدرع الأخير" لإسرائيل. 

لكن هذا التوظيف يُثير مخاوف داخلية وخارجية من أن الزعيم الإسرائيلي "لا يُصغي إلا لصوته، ولا يرى إلا روايته، ولا يتحرك إلا وفق سرديته الخاصة".

في المحصلة، بين الهوس التاريخي والواقع السياسي، يقف بنيامين نتنياهو في منطقة رمادية، تُثير الجدل وتُشعل التوتر. 

فهو لا يتعامل مع السياسة كفن الممكن، بل كمنصة لصناعة الأسطورة، حتى لو كان الثمن "عزلة دولية، تصعيد ميداني، وانقسام داخلي". 

وفي زمنٍ يحتاج إلى عقلانية وتوازن، يبدو أن نتنياهو اختار أن يكون "صوتًا للتاريخ كما يراه... لا كما يعيشه العالم من حوله".

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة