• لبنان
  • الخميس, أيلول 18, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 7:37:29 ص
inner-page-banner
مقالات

"الحزب" وجد ضالّته: محيي الدين حسنة "كبش محرقة" تفجيرات "البيجرز"

مريم مجدولين اللحام ـ نداء الوطن

 في ذكرى مأساة جرحى "البيجرز"، حرص "حزب الله" على زجّ اسم المهندس "السنّي ابن البقاع" محيي الدين حسنة، في خانة العميل الذي تسبّب بسلسلة التفجير قاتلًا خيرة شباب أمة السلاح، على لسان النائب علي عمّار، داعيًا بشكل غير مباشر "أشرف الناس إلى استنزال اللعنات على حسنة"، مع إسناد بعض الأدوار التحريضية لبعض الإعلاميين ومطالبًا القضاء الذي برّأه بمحاسبته. بيانات وتغريدات ومقالات ومنشورات وفيديوات لصحافيي المحور، مهما التهبت سخونتها واحتدّت عباراتها واشتعلت مفرداتها، لا يُمكن أن تُغيّر الحُكم المُبرم، فما المطلوب إذًا؟ موته؟

"واتخذناه بلسمًا"

لا يصحّ والإحباط الخُمينيّ يتسع يومًا بعد يوم، والمؤامرة الكونية على آل المظلومية تقترب من التحقّق، أن يزعم أحدٌ أن هوية المتسبب بتفجيرات "البيجرز" "من أهل البيت"، من "حزب الله"، اعتمادًا على أنه يُمكن أن يُدرج مطلق فرد، في السلسلة اللوجستية العسكرية الاستخبارية المعقّدة لـ "الحزب"، إن لم يكن فردًا منتسبًا موثوقًا. لا طبعًا. هناك حاجة لعميل مُفتاح معروف الملامِح كي يُصادَر عبره غضب الناس وتُلجَم حاجتهم للغضب إنصافًا لقضيتهم ومعرفةً للحقيقة وحتميّة انتصارها.

لا يحتمل "حزب الله" سابقةً تقول إن القضاء اللبناني أقوى من قبضته الأمنية. ولا يحتمل أن تبرّئ محكمة التمييز العسكرية، برئاسة القاضي منير سليمان، مهندس الاتصالات اللبناني محيي الدين حسنة من تهمة العمالة لإسرائيل التي أُلصقت به، بعد تحقيقات امتدّت لنحو عشرين شهرًا. في 28 آب 2025، صدر حكم بالإجماع عن خمسة ضبّاط من طوائف مختلفة: لا تجسّس، لا عمالة، لا علاقة لحسنة بإسرائيل. التهمة الوحيدة؟ تصوير من دون رخصة، وغرامة مئة مليون ليرة لبنانية.

براءة ليست كأي قرار قضائي عادي. بل كانت صفعة مدوية على وجه ماكينة التخويف التي بنى "حزب الله" عبرها سلطته داخل الدولة وخارجها. براءة تهشّم صورته كـ "القاضي والجلاد والحارس والإعلامي الذي يسرّب والمحقّق الذي يصنع التهم". وتؤكد أن القضاء، ولو لمرة، استطاع أن ينتصر على ماكينة الترهيب.

تفاصيل الملف

محيي الدين حسنة، المولود عام 1983، درس في ثانوية الروضة في فردان، وتخرّج مهندسًا في الاتصالات من الجامعة اللبنانية الأميركية LAU. عمل في شركات عالمية كـ "إريكسون" في لبنان وإيطاليا وبلجيكا والسعودية، قبل أن يشتري عام 2011 شركة "Akorn Telecommunications" اللبنانية ويصبح مديرها التنفيذي. نفذت شركته مشاريع اتصالات كبرى في لبنان، أبرزها: بناء شبكات الأجيال الثاني والثالث والرابع (2G-3G-4G) لشركتَي Touch وAlfa، من ثم عمل في إدارة مركز الأعطال NOC، تنفيذ 70 % من مشروع U900، وبناء محطات إرسال في أقسى ظروف عرسال وجبل الشيخ.

في عام 2023، تعاقدت شركة "Akorn" مع شركة "Monolith Data LLC" الأميركية المسجَّلة في ولاية تكساس (وليس ألمانيا كما يحاول البعض الإيحاء)، والمتخصّصة في الخرائط الرقمية وتحليل البيانات الراديوية وتطوير المدن الذكية.

وبدأ فريق العمل جمع بيانات تقنية علنية في شوارع بيروت في وضح النهار كالعادة.

لكن أثناء تنفيذ العمل في منطقة فردان/عين التينة، أوقف أحد موظفي الشركة من قبل حرس الرئيس بري، فتوجّه المهندس محيي الدين حسنة إلى الضابطة العدلية للاستفهام عن المشكلة. وهناك تحوّل المشروع المدني فجأة إلى ملفّ تجسّس مفبرك، زُجّ فيه اسم "الموساد" من دون أي دليل مطروح، وبالرغم من تقديم الدفاع عشرات المستندات الرسمية المصادق عليها من وزارة الخارجية الأميركية والسفارة اللبنانية في واشنطن والتي تؤكد شرعية الشركة الأميركية. أصرّ المحققون على اتهام حسنة بالعمالة وربطه تحديدًا في قضية استهداف القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري.

واليوم باتت التهمة "الضلوع في ملف تفجير البيجرز"!

حسنة وموظفوه كانوا موقوفين أصلًا منذ أشهر طويلة قبل وقوع تفجيرات "البيجرز"، ومعدّاتهم كانت محجوزة لدى شعبة المعلومات ساعة التفجير، أي هنالك استحالة منطقية وتقنية أن يكون لهم أي دور داعم أو مشارك أو غيره في هذا الملف.

والأغرب أن الاتهام لم يُذكر لا في التحقيقات الأولية ولا في قرار المحكمة العسكرية الدائمة، ولا في أي مرحلة من الملف، لا استجوابًا ولا حكمًا. فمن الناحية التقنية، عمل الأجهزة التي يستخدمها حسنة لا يمكن أن تُوظّف في مسألة تفجير الأجهزة، ولا علاقة بين جمع بيانات من النوع التي يجمعها حسنة وبين زرع متفجرات في أجهزة. البيانات التي جمعها حسنة عامة وغير حساسة عسكريًا، خرائطية الطابع تجارية - مدنية. أما تفجيرات "البيجرز" فكانت تحتاج لنوع بيانات مختلف، كمعرفة من يملك الجهاز، إشارة تشغيله، ناهيك عن الحاجة لإدخال شحنة متفجرة مدمجة. أما الصور الخرائطية فلا تمنح أيًا من هذه المُعطيات ولا تساعد على تنفيذها.

القول إنه "دلّهم أين هم" هو تحريف متعمّد لفكرة "الخرائط" وتحويلها من عمل مدني إلى تهمة أمنية، والهدف فقط تشويه سمعته بعد صدور حكم البراءة والتحريض على ذبحه فداءً لمئات المتضرّرين.

انهيار السردية: براءة

بعد عشرين شهرًا من التوقيف والتحقيقات المجحفة، أصدرت محكمة التمييز العسكرية حكمها التاريخي: براءة كاملة من تهمة العمالة والتجسس، والاكتفاء بغرامة على التصوير من دون ترخيص. والمفاجأة، أن الشاهد الملك على صحّة إفادات حسنة، هو ابن الجنوب الصامد، قدِم من أميركا كي يُدلي بالحق.

براءة تبدو أخطر على "حزب الله" من أي بيان سياسي، لأنّها نسفت أحد أعمدة سطوته الرمزية. كسر حسنة قانون النزاع مع المسلّح، دمّر المعادلة التي تفتي بأن الاتهام بالتجسس نهائي لا يُمحى، وأن من يدينه المجاهدون لا يخرج بريئًا أبدًا. لكن حسنة خرج. وخرج حيَّا وبيده وثائق تثبت براءته، وبحكم موقعه المهني يعرف كيف يفضح التلاعب الأمني الذي تعرّض له.

المثير للتأمّل في المرحلة الانتقالية بين السلاح - واللاسلاح، التي يغلب عليها الارتباك والتأزّم، أن ثمّة من يسعى لرفض تمييز القضاء العسكريّ، ذلك إذ يعني ضمنًا أن اتهامات العمالة قابلة للكسر والتحقيق الفعلي. سابقة تُهدّد بنيانًا كاملًا من الخوف الذي يحكم به "حزب الله" أروقة التحقيقات الأمنية.

ومن المؤكّد، أنّ حمّى الارتباك التي تحكم منصات "حزب الله" الإلكترونية في هذه المرحلة طبيعية على التوازي مع بروز فصائل "التيك - توك"، تُشعل حطب الذات الشيعية، التي لم تستفق بعد من حجم الألم الذي مرّت به بعد انتحار الإسناد. لذا منذ صدور الحكم ببراءة حسنة، انطلقت حملة تحريض منظّمة على "تيك توك" وفي منابر صحافية تدور في فلك "حزب الله"، أعادت توصيف حسنة بـ"العميل" وذهبت أبعد من التشويه إلى التحريض الصريح على قتله، واستباحة دمه أمام استحقاقات المرحلة وأخطارها وسُبل تداركها.

لماذا؟

يُعدُّ السيناريو الأقرب إلى الواقع جنوح "حزب الله" إلى التخبّط الصرف، لأن البراءة لم تُسقط التهمة فحسب، بل عرّت المنظومة - التنسيقية التي صنعتها. ضُرِبَت شرعيّة الأمن الموازي. أثبتت البراءة أن القضاء قادر على دحض تلفيقات الأجهزة، ما يهدم سردية "حزب الله" كونه الحارس الأوحد الذي "يحتكر الحقيقة" ويُشرف على نشر مُفرداتها.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة