• لبنان
  • الأربعاء, أيلول 17, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 1:32:51 م
inner-page-banner
مقالات

ترامب بين الغطرسة والشعبوية: قراءة في شخصية صنعتها التناقضات

عبد الباسط ترجمان ـ بوابة صيدا

في زمنٍ تتراجع فيه الثقة بالمؤسسات، وتتصاعد فيه الأصوات الغاضبة من الهامش إلى قلب القرار، برز دونالد ترامب كأيقونة للشعبوية المعاصرة في الولايات المتحدة، لا بوصفه رئيسًا تقليديًا، بل كزعيم أعاد صياغة قواعد اللعبة السياسية.

من خطاب الصفقات إلى هجومه على الإعلام، ومن استعراضه الجماهيري إلى تحديه للمؤسسات، شكّل ترامب نموذجًا جديدًا للزعامة، حيث لا مكان للتوازن، بل للهيمنة المطلقة.

تجربته لم تغيّر فقط وجه السياسة الأميركية، بل ألهمت موجة عالمية من الزعماء الشعبويين، وطرحت سؤالًا جوهريًا: هل الديمقراطية قادرة على الصمود أمام زعامة تُعيد تعريف السلطة... من منصة " تروث سوشل"؟

يصعب الحديث عن السياسة الأميركية في العقد الأخير من دون المرور باسم دونالد ترامب. فهو ليس مجرد رئيس سابق، بل ظاهرة سياسية واجتماعية قسمت الأميركيين وأربكت العالم. ترامب لم يأتِ من رحم الحزبين الكبيرين، بل من عالم الأعمال والإعلام، حيث صنع لنفسه صورة "رجل النجاح" الذي لا يعرف الهزيمة، قبل أن يحوّلها إلى مشروع سياسي شعبي وشديد الجدل.

ولد ترامب في نيويورك لأسرة ثرية تعمل في العقارات. والده كان قدوة صارمة و هو المعلم الأول، منه تعلم فن الصفقة، والتفاوض القاسي، واستغلال الثغرات القانونية. شعار عائلة ترامب كان "كن قاسياً، كن شرساً، كن القاتل".

لكن الطفل المشاغب سرعان ما أُرسل إلى أكاديمية عسكرية لتقويم سلوكه، وهناك صُقلت شخصيته بين الانضباط من جهة وحب الاستعراض من جهة أخرى. هذه التركيبة سترافقه طوال حياته، من رجل الأعمال الذي يهوى الظهور الإعلامي، إلى السياسي الذي يخاطب الجماهير بلهجة صاخبة وصدامية.

حين دخل السياسة، لم يفكر بمنطق المؤسسات والقوانين، بل بعقلية التاجر الذي يرى في الدولة صفقة كبرى.

شعاره "أمريكا أولاً" لم يكن مجرد جملة رنانة، بل تعبير عن رؤيته بأن كل علاقة دولية يجب أن تخدم مصلحة أميركا المالية المباشرة. وهنا ظهرت التناقضات: ينتقد الحلف الأطلسي ثم يعود ليطلب دعمه، يشيد بالأنظمة السلطوية ثم يتحدث عن الديمقراطية، يلوّح بالعزلة لكنه يفرض عقوبات على خصومه.

الغطرسة سمة بارزة في خطابه، و ليست مجرد سمة شخصية، بل هي منهج. إنها جزء من علامته التجارية. إنه يصر على أنه الأذكى، والأقوى، والأفضل مطلقاً. هذا يتجلى في تصريحات مثل "أنا فقط بمفردي أستطيع إصلاحه" أو وصف نفسه بـ "العبقري المستقر"، ومهاجمة خصومه بعبارات مهينة.

هذه النرجسية المتطرفة هي التي تغذي تطرفه ضد المخالفين. أي نقد، أي تحدي، أي تحقيق، هو ليس مجرد اختلاف في الرأي، بل هو "مطاردة ساحرات"، "احتيال"، "خيانة".

الصحافة التي تنتقده أصبحت "عدوة للشعب". القضاة الذين يحكمون ضده "منحازون". هذا الخطاب ليس مجرد هجوم، بل هو تفكيك منهجي لشرعية أي مؤسسة تجرؤ على محاسبته، مما يخلق واقعاً موازياً حيث يكون هو المصدر الوحيد للحقيقة.

هذا الأسلوب جعله محبوباً عند أنصاره الذين يرون فيه زعيماً صريحاً "يقول ما يفكر فيه الناس"، بينما اعتبره خصومه خطراً على القيم الديمقراطية وسبباً مباشراً في تعميق الانقسام الأميركي.

ترامب كذلك لم يتردد في استهداف المهاجرين، والمسلمين، ووسائل الإعلام، وحتى بعض الجمهوريين المخالفين له. لقد حوّل السياسة إلى ساحة صراع شخصي، إما أن تكون معه أو ضده، وهو ما غذّى مشاعر التطرف والانقسام داخل المجتمع الأميركي.

في المحصلة، دونالد ترامب هو نتاج بيئته: قسوة عقارات نيويورك، وثروة أبيه الطموحة، وثقافة الثمانينيات الاستهلاكية الصارخة. لقد نجح في استغلال شرخ عميق في الجسد الأمريكي، وقدم نفسه كمنقذ من خارج المؤسسة.

إرثه الأكبر ليس سياسة معينة، بل هو تسييس الغضب، وتفكيك ثقة الجمهور في المؤسسات، وإثبات أن الشخصية، بكل تناقضاتها وتطرفها، يمكن أن تصبح أقوى من النظام نفسه.

سواءً كان ظاهرة مؤقتة أو تحولاً دائماً في السياسة العالمية، فإن تحليل شخصيته يبقى مفتاحاً لفهم أحد أكثر الفصول إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي الحديث.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة