د. صريح صالح القاز
في لبنان تتفق غالبية القوى السياسية على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة.
لكن هذا الطرح، ورغم وجاهته، يثير تساؤلات جوهرية لا بد من التوقف عندها بتمعّن وموضوعية، لا سيما في ظل ما تتعرض له البلاد من أجندات وضغوط إقليمية ودولية متزايدة.
فهل بات الجيش اللبناني اليوم يمتلك من العُدّة والعتاد ما يمكّنه من التصدّي لأي عدوان، وفرض سيادة الدولة على كامل أراضيها، أم أنه ما زال يعاني من نقص في التسليح والموارد نتيجة الحصار غير المُعلن الذي يفرضه بعض المانحين الغربيين وتحديدًا فيما يتعلق بمنع تزويده بأسلحة نوعية؟
ثم، هل التزم الكيان الإسرائيلي – بعد انسحابه عام 2000 أو بعد العدوان على لبنان عام 2006 – بجميع بنود القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي؟
بل هل التزم ببنود الاتفاق الأخير المُبرم بينه وبين لبنان؟
أم أنه ما زال يخترق السيادة اللبنانية برًّا وبحرًا وجوًّا، ويعربد في لبنان كيف يشاء ومتى يشاء، بشكل يومي؟
هل انسحب جيش الاحتلال من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومن المواقع الخمسة الواقعة داخل الأراضي اللبنانية جنوبًا والتي ما يزال يتمركز فيها إلى اليوم؟
هل جرت عملية ترسيم نهائية للحدود البرّية، كما حصل مع الحدود البحرية مؤخرًا؟
وهل سلّم الاحتلال الأسرى اللبنانيين الذين ما زالوا يعانون في سجونه؟
إن صوابية مبدأ حصر السلاح بيد الدولة لا يجب أن تحجب الرؤية عن الأسباب التي أوجدت المقاومة وسلاحها من الأصل.
فهل من المنطق البدء في معالجة النتيجة (السلاح)، قبل معالجة الأسباب (الاحتلال، العدوان الانتهاكات، والعجز العسكري الرسمي)؟
أليس من المفترض على اللبنانيين التوقف عند هذا السؤال تحديدًا:
هل من مصلحة لبنان أن يبدأ أولًا بمعالجة الأسباب التي أوجدت المقاومة وسلاحها، ثم يُعالج في ضوء ذلك مسألة السلاح؟
أم أن يُقدَّم تنفيذ الشروط والإملاءات الإسرائيلية – الأميركية، وكأنه أولوية داخلية لبنانية؟
ألم يُصبح من الواضح أنه لا ضمانة وحيدة وأكيدة للبنان في هذا الظرف الدقيق، سوى ما لديه من وسائل دفاع متواضعة بما فيها سلاح المقاومة؟
وكأن اللبنانيين لا يعرفون أنهم ليسوا في وضع عسكري متكافئ مع الكيان الإسرائيلي، الذي، فضلًا عن ذلك، تتجسّد ضمانته في تفوّقه الجوي والتكنولوجي وفي الدعم الأميركي والغربي المفتوح له عسكريًا وسياسيًا.
أليس من الواجب على اللبنانيين أن يدركوا أن الضغوط الإسرائيلية والأميركية لنزع سلاح المقاومة، وجعل هذا المطلب على رأس أولويات الداخل إنما تهدف إلى نزع وحدة لبنان وتوسيع الانقسام، وتأجيج الصراع الداخلي، بما يخدم مصالح الكيان أولًا وأخيرًا، ويُضعف الموقف اللبناني الموحّد أمام أي عدوان؟
ماذا يعني أن يجتمع مجلس الوزراء اللبناني بشأن مسألة حصر السلاح الشائكة، والمقاتلات الإسرائيلية تمخر أجواء لبنان ومقرّ المجتمعين؟
صحيح أن الجانب الإسرائيلي – الأميركي يستغلّ المأزق الاقتصادي الذي تعيشه لبنان، والتباينات بين القوى السياسية، لتحقيق ليس اختراقات مشروعة، بل ابتزازات واستفزازات.
قد يقول قائل إن المقاومة وسلاحها هي المشكلة ولكن عليه أن يدرك أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، لو لم تكن هناك مقاومة، لما كانت قد توقفت ميدانيًا عند ما هو قائم، بل كانت قد وصلت الميركافا إلى ما هو أبعد وأهم بكثير في العمق اللبناني.
لسنا هنا في وارد الدفاع عن مكوّن لبناني ضد آخر بقدر ما نحن أمام كيان إسرائيلي أثبت مسارُ الصراع العربي – الإسرائيلي أنه لا يراعي أي اعتبارات، لا أخلاقية ولا قانونية، وما فتئ يقول إنه سيستمر في تغيير وجه الشرق الأوسط. وتغيير وجه الشرق الأوسط لا يعني سوى استكمال إنشاء مملكة داوود أو "إسرائيل الكبرى".
فما هي الأراضي أو الدول التي يُراد لإسرائيل الكبرى أن تُقام عليها إذًا، إن لم تكن فلسطين ولبنان وسوريا في المقام الأول؟
وعلى الرغم من أن مسألة حصر الصراع بيد الدولة اللبنانية هي مسألة سيادية ومنطقية، لكن ما المانع – على الأقل – أن تكون هناك آلية وخطة مزمنة كخطوة لبنانية مقابل خطوة إسرائيلية، تُختبر من خلالها النوايا، وتُعالَج المخاوف التي تتمسك بها المقاومة قبل غيرها، بما يحقق، في آنٍ واحد، مرونة لبنانية في وجه الضغوط الأميركية – الإسرائيلية، ويمنع أي صراع داخلي لبناني، ولكي لا يضع لبنان بيضه في سلة واحدة؟
ما يهمّ هو حرص اللبنانيين على وحدة صفهم، والخروج بموقف ورؤية واحدة تجاه الكيان لأن ذلك هو الأساس في القدرة على مجابهة أي تداعيات مرتبطة بمسألة السلاح.
وينبغي ألا يغيب عن بال اللبنانيين، وهم من وقّع على اتفاق الطائف، ما أشار إليه الاتفاق بشأن سلاح المقاومة في جنوب لبنان وألا يتجاهلوا أن بيئة المقاومة وحاضنتها الشعبية هما على خط التماس مع الكيان وهما أكثر من لحقه، ويلحقه الضرر في كل جولات الصراع.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..