بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
استيقظ حي الشجاعية شرق مدينة غزة فجر التاسع من ابريل 2025 على وقع مجزرة جديدة تُضاف إلى سجل الاحتلال الأسود.مجزرة متكاملة الأركان، استهدفت المدنيين داخل منازلهم فأحرقت الأطفال وهم نائمون، وهدمت الجدران فوق رؤوسهم.
عشرات الشهداء والمصابين جلهم من الأطفال ارتقوا إثر همجية العدو في واحدة من الهجمات الجوية التي أعادت إلى ذاكرتنا الهجمة التي شهدها نفس الحي فجر يوم من أيام يوليو/٢٠١٤.
حيث نفذت فجر ذلك اليوم من عام 2014 مجزرة ارتقى على إثرها الشهداء من النساء والأطفال بهدف ترويع المدنيين وكسر إرادتهم. وهو المبدأ ذاته الذي مارسه الاستعمار البريطاني في الثلاثينات من القرن العشرين ضد المقاومة الفلسطينية، ثم تبنته العصابات الصهيونية لاحقا مع الشعب الفلسطيني تحت سياسية "كي الوعي".
غير أن الفلسطيني عصي على التدجين رغم الموت والركام والدمار والتهجير.
الشجاعية التي تعد من وجهة نظر العدو هدف رمزي أكثر منه عسكري. فهذا الحي الشعبي، بكثافته البشرية وتاريخه المقاوم، لطالما كان على رأس قائمة الأحياء التي يُراد كسرها نفسيا ومعنويا منذ الانتفاضة الأولى وحتى اليوم.
جاءت المجزرة لتكشف أن هذا العالم لا يزال يهاب النطق بكلمة "قاتل ومجرم" حين يكون القاتل هم يهود الشتات، سارقي الأرض والحضارة.
ومع أن المجزرة لم تكن فعلا خاطفا في الظلام، بل جرت تحت أنظار العالم. غير أنها لم تُقابل بإدانة عاجلة،بل جرى التعامل معها كحدث اعتيادي كما كل مجزرة. حتى بعض وسائل الإعلام العالمية، تلك التي تتحدث عن "حرية الشعوب"، لم تجرؤ على وصف ما حدث بأنه جريمة إبادة.
فمثلا وسائل الإعلام الغربي كعادتها انحازت إلى جانب دولة الاحتلال، وصورت المجزرة على انها إجراء ضمن "الدفاع عن النفس" ضد عناصر من حماس تواجدوا في المكان.
بالإضافة إلى صمت بل تواطئ الأنظمة الصهيوعربية، ما يعطي دولة الشتات الضوء الأخضر لمواصلة حملات الإبادة والإفلات من العقاب.وهذا أيضا يعيد للأذهان مجازر أُغلقت ملفاتها تاريخيا بلا محاسبة: من دير ياسين عام 48، إلى قانا، إلى رفح وجنين وغيرها.
وكل مجزرة تُرتكب تحت نفس الذريعة "الرد على إطلاق نار" أو "استهداف مسلحين"، والنتيجة واحدة: مقابر جماعية لعائلات كاملة لا ذنب لها سوى أنها فلسطينية.
والمجازر كما ذكرنا لا تُرتكب فقط بمن قصف وقتل، بل بمن سكت، وبرر، وغطى وتواطأ. فالعدو يدرك جيدا أن أقصى ما يمكن أن يواجهه بعد كل مجزرة هو تقرير مؤجل، أو لجنة تحقيق تنتهي في غياهب الأدراج.
ولكن رغم المجزرة فإن الشجاعية لم تسقط كما لم تسقط سابقا، فالركام ليس نهاية الحياة، بل بدايتها. في كل بيت مهدّم، تبقى حكاية مقاومة. في كل شهيد، شعلة للوعي. وفي كل طفل خرج من تحت الأنقاض حيا، رسالة للعالم: نحن هنا، وسنبقى.
لقد فشلت الطائرات في قصف ذاكرة المدينة، وفشلت المجازر في قتل المعنى. وما دامت الشجاعية تنجب أبناءها، فإن غزة لن تركع، والقضية لن تموت، والتاريخ لن يُكتَب بيد القاتل.
لكن سيحفظ التاريخ أن حكاما صنعوا خصيصا للبلاد العربية ساهموا في جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين منذ 48 ولا زالوا...فإلى المزابل.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..