بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
دعا "فلاديمير جابوتنسكي" أثناء خطابه أمام المؤتمر الصهيوني عام ١٩٢١ جميع الصهيونيين إلى بناء ما يربط بينهم، عن طريق تأليف ما أطلق عليه "وزارة صهيونية كبرى" تضم جميع الذين يقبلون أسس الصهيونية التاريخية، ويملكون المقدار الكافي من التساهل لوضع برنامج يرضى عنه الجميع ويستطيعون العمل في سبيله.
وقد عُرف "جابوتنسكي" بغطرسته و أيديولوجيته التي تنادي بصراحة أن لا سبيل لتحرير "بلاده" ويقصد فلسطين، لن تكون إلا بحد السيف. بعكس "حاييم وايزمان" الذي كان يسعى للهدف نفسه غير أنه يعمل على تحقيقه ولكن من تحت الطاولة. ومن هنا نشأ الخلاف بين "جابوتنسكي" والمنظمة الصهيونية العالمية. غير أنه ذهب إلى المؤتمر آنف الذكر لمحاولة التوصل إلى اتفاق مع "وايزمان" ومؤيديه بحجة توسيع التمثيل الصهيوني داخل المنظمة والعمل على تشكيل "الوزارة الصهيونية الكبرى" التي ستضم الصهاينة من جميع الاتجاهات السائدة فيها.
ومن خلال انضمامه إلى اللجنة التنفيذية في المنظمة الصهيونية اعترض على المشروع الذي اقترحه المندوب السامي اليهودي البريطاني على فلسطين "هربرت صموئيل" والذي رمى إلى تأليف قوة يهودية-عربية للحفاظ على الأمن، وراح ينادي بأن اليهود لا يمكنهم البقاء ضمن قوة مختلطة، زاعما أن الأكثرية العربية سوف تناصب اليهود وبالتالي الصهيونية العداء. والحقيقة أنه كان يرمي إلى تأليف فرقة يهودية قائمة بذاتها.
أما الخلاف الثاني بين "جابوتنسكي" و صموئيل" فهو "الكتاب الأبيض" ١٩٢٢ والذي صدر بعد أحداث يافا في أبريل/١٩٢١. وقد اتهم "جابوتنسكي" اللجنة بالانهزامية، ثم قام بتقديم استقالته، وعلى إثرها انهارت دعوته بإقامة وزارة الجبابرة. لكن حلمه لم ينهار، حيث ظل يقاتل من أجله إلى أن برزت "الحركة الصهيونية التصحيحية" وأطلت برأسها كأفعى سامة ومصححة لبرنامج "بازل".
فتضمن برنامجها الجديد أن "غاية الصهيونية هي تحويل فلسطين تدريجيا إلى كومنولث يهودي، أي إلى كومنولث يحكم نفسه بنفسه في ظل أكثرية يهودية قائمة. وكل تفسير آخر للصهيونية خصوصا ما ورد في الكتاب الأبيض ١٩٢٢ لا بد من اعتباره غير صحيح".
وقد كان لصهيونية "جابوتنسكي" فيما بعد دور في قيام ما تسمى "إسرائيل". كما أن وزارته الصهيونية الكبرى التي طالما حلم بها، تحققت عشية الخامس من يونيو ١٩٦٧، عندما انضم ممثل حزب"حيروت" الصهيوني الإرهابي "مناحيم بيغن" خليفة "جابوتنسكي" وحامل أيديولوجيته إلى الوزارة الحربية التي شكلها "ليفي أشكول".
وهو أي "بيغن" الذي قال "لن يكون سلام لشعب اسرائيل ، ولا أرض إسرائيل حتى ولا للعرب ما دمنا لم نحرر وطننا بأجمعه حتى ولو وقعنا معاهدة الصلح".
ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم يجد المتابع لما يحصل في فلسطين، أن بذور الدعوة التي غرسها "جابوتنسكي" في تربة أرض لا يمت لها بصلة، قد نمت وكبرت وأصبحت حركة واسعة تنادي بما يسمى "إسرائيل الكبرى" وتجاهر بنوايا التوسع تحت ستار متطلبات الأمن والدفاع.
وتصريحات "سموتريتش" التي زادت وتيرتها بعد الهدنة بين حركة حماس ودولة الاحتلال تعكس ذلك الأمر. والتي تطالب بفرض السيادة على الضفة الغربية.
وما تشهده مناطق عديدة في الضفة اليوم من تصاعد في العمليات العسكرية الصهيونية بما في ذلك إجبار العائلات الفلسطينية على النزوح من مثل ما حصل في اليوم التالي للهدنة في مخيم نور شمس، وعمليات القتل التي نفذتها ما تسمى ب "قوات الأمن الإسرائيلية" بحق عدد من الفلسطينيين مدعومة بطائرات هيلكوبتر في مدينة جنين. وتأتي هذه التطورات في سياق تصاعد التوترات في المنطقة مع استمرار التوسع الاستيطاني.
وقد صرح "سموتريتش" خلال مؤتمر تحت اسم "الشرق الأوسط الجديد" بأنه
""لا توجد ولن تقام دولة فلسطينية، وهذه المسألة غير قابلة للتفاوض، وغير مطروحة على الطاولة. ولكن الأهم هو الأفعال بفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على أجزاء من الوطن في الضفة الغربية من خلال قرار استيطاني لإنشاء مدن وبلدات عديدة وجلب العديد من المستوطنين الإضافيين للاستقرار فيها".
ومثل هذه التصريحات بالطبع تعكس تطلعات اليمين المتطرف نحو توسيع الدولة لتشمل مناطق إضافية في الشرق الأوسط. بدليل ما جاء على لسان "سموتريتش" في مقطع فيديو انتشر عام ٢٠١٦ أن "حدود القدس يجب أن تمتد حتى العاصمة السورية دمشق" كما دعا إلى "الاستيلاء على الضفة الشرقية من نهر الأردن".
ويكيدون ولكن الله لهم بالمرصاد "وأكيد كيدا، فمهل الكافرين أمهلهم رويدا"
فأين هو "جابوتنسكي" الذي لطالما كاد وحلم؟ وبإذن الله قريبا نقول أين "سموتريتش"؟؟؟؟
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..