بقلم مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات ـ حسان القطب ـ بوابة صيدا
الملخص التوجيهي لمضمون هذه اللقاءات..
كان من الملاحظ في الفترة الاخيرة التي اعقبت حرب، "طوفان الاقصى"، والحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، والضفة الغربية، ارتفاع منسوب التودد الايراني، وبالتالي تحرك اذرعها في المنطقة بهذا الاتجاه نحو مختلف الحركات الاسلامية على اختلاف اسمائها وحتى باتجاه الشخصيات الاسلامية الناشطة.. حتى تلك التي لا تتوافق مع التوجهات الايرانية عقائدياً وسياسياً..!!
لذا كان من الضروري قراءة هذا المشهد بدقة وبموضوعية وبوضوح وبثقة ايضاً.. وتحديد كيفية التعامل مع هذا الواقع المستجد بعد تقييم الاسباب وبالتالي الهدف من هذا الجهد غير العادي للتقرب والاقتراب من الحركات الاسلامية وشخصياتها المختلفة والمنتشرة في العالم الاسلامي.. من هنا كان من الضرورة عقد عدة لقاءات مغلقة بين بعض قادة من هذه الحركات وبعض الشخصيات المتابعة في مختلف الميادين السياسية والاعلامية وحتى الاجتماعية، للسياسة الايرانية ومراجعة الدور الايراني في المنطقة وبالتالي ممارسات اذرعها...!! طوال المرحلة الماضية وحتى يومنا هذا...
الانخراط الايراني في الساحة الاسلامية:
منذ استلام الخميني للسلطة في طهران عقب الانقلاب على شاه ايران، عام 1979، بدأت السلطة الايرانية الجديدة ذات العمق الديني الشيعي، في التخطيط للتمدد في دول العالم العربي والاسلامي..
- المدخل كان القضية الفلسطينية التي تعتبر قضية العرب والمسلمين المركزية، وكانت الثورة الفلسطينية حينها في اوج نشاطها وحضورها..
- تم انشاء تنظيمات ومجموعات وخلايا ضمن الاقليات الشيعية في العالم العربي والاسلامي لخدمة مشروع التمدد الايراني ولبنان كان اكثر ساحة مناسبة من حيث وجود الاحتلال الاسرائيلي الذي تبرر مواجهته بكل اشكال الدعم، وكذلك حرية الحركة في ساحة تعمها الفوضى المسلحة تحت رعاية الوصاية السورية..
- تمت اقامة علاقات مع تنظيمات اسلامية تحت عناوين الوحدة الاسلامية وجمع الصف وتجنب الفتنة ومواجهة المشروع الاميركي- الصهيوني في المنطقة... وكان لهذا التوجه من يقوم بترويجه وتبريره وبالتالي محاولة نشره..
التحول السياسي والامني في المنطقة:
- الاحتلال الاميركي لافغانستان عام 2001، والعراق عام 2003، فتح الابواب واسعة امام حرية التحرك الايراني الديني والمذهبي، والتواصل مباشرة مع مجموعاتها المنتشرة شرقاً وغرباً.. وتعاونت ايران تحت عنوان مكافحة الارهاب والتطرف مع التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة في افغانستان كما في العراق.. وهذا ما اكده قادة ايرانيون مراراً وتكراراً..
- القراءة الايرانية لهذه المتغيرات الدولية جعلت القيادة الايرانية تشعر بنشوة الانتصار وفرض حضورها على الساحة العربية كقوة مهيمنة ووازنة من خلال دعمها للتنظيمات الموالية لها.. وخضوع ورضوخ بعض المجموعات الاسلامية التي اعتادت ان تقتات من المال الايراني..
- اكدت ايران اكثر من مرة انها شريك حقيقي في التحالف الدولي لمكافحة الارهاب وبدأت باسباغ الاوصاف والنعوت على التنظيمات الاسلامية بالطريقة التي تريدها.. (تطرف، تكفير، ارهاب، تشدد) وخاصة حركة الاخوان المسلمون، وهي الحركة الاكبر والاوسع انتشاراً.. على سبيل المثال.. حركة الاخوان في فلسطين (حماس) حركة جهادية يجب دعمها وتأييدها.. حركة الاخوان في سوريا تكفيرية ارهابية متشددة متطرفة.. حركة الاصلاح في اليمن وهي حركة اخوانية تكفيرية وارهابية ومتطرفة.. وتنظيم الاخوان في العالم هو تنظيم واحد منتشر في دول متعددة...؟؟؟
- من يقبل بالمشروع الايراني في المنطقة وبهيمنة ايران على جمهوره ومواطنيه.. يسبغ عليه الوصف الجهادي.. ومن يرفض الهيمنة الايرانية يطلق عليه اوصاف تبرر كل ما يمارس بحقه من قتل وتشريد واعتقال ونزوح واعادة توطين وتهجير وتدمير واعتقال.. وهذا حال سوريا والعراق واليمن.. نتحدث عنها عن اكثر من 25 مليون مواطن من المسلمين.. طبعا وتضرر الكثير من اتباع الديانات الاخرى والقوميات غير العربية ايضاً ....
التأثير المباشر للتورط الايراني في صراعات دول المنطقة:
- استيقظت ايران متأخرة على ان سياساتها المتبعة واستراتيجيتها القائمة على التمدد بقوة السلاح، والتلاعب بالديموغرافيا.. وتهجير المسلمين، وفرض واقع اجتماعي جديد.. وفرض التشيع في عدة دول تتدخل فيها بحكم التدخل الروسي مثل سوريا.. وبحكم الاحتلال الاميركي.. مثل العراق وافغانستان.. والامثلة كثيرة.. قد كشف مشروع التمدد الايراني الديني قبل السياسي.. وجعل ايران في مواجهة شعوب المنطقة واقلياتها في حالة صراع مع اخوانهم في المواطنة...
- حلف الاقليات الذي تبنته ايران في الشرق الاوسط.. كان من ضمن الاخطاء القاتلة التي ارتكبتها القيادة الايرانية، حيث ايقظت مخاوف وجودية لدى الكثير من هذه الاقليات.. كما لدى الاكثرية الاسلامية وهنا بيت القصيد.. فالمشروع الايراني في عمقه ديني وليس مواجهة المشروع الاميركي – الصهيوني، كما يتم الادعاء، ولا تحرير فلسطين من الاحتلال كما يروج له..
- واكد هذا التوجه الايراني، الديني، هو احياء مناسبات ورفع شعارات، وترسيخ مناسبات تزيد من حدة الاحتقان والانقسام الديني والتباعد بين المكونات الوطنية وتفاقم الارتباط لدى المكونات الشيعية في الدول العربية والاسلامية بالمرجعية الايرانية دينياً وسياسياً..
- كذلك لا يمكن تجاهل ابتعاد التيار الوطني الحر في لبنان وهو الحليف المسيحي الابرز لحزب الله ومشروع تحالف الاقليات في المنطقة عن محور ايران، بسبب عدم تبني مرشحه لرئاسة الجمهورية.. وهو يعتبر ان من حقه اختيار المرشح نظرا لما قدمه من خدمات لحزب الله سياسياً واعلامياً وغير ذلك كثير..
اعادة النظر في الاستراتيجية المتبعة وتعديل المسار..
- الحرب على قطاع غزة والشعب الفلسطيني في الضفة الغربية... كشفت ان شعارات دعم الفلسطينيين والفصائل الفلسطينية محدود جداً من قبل الايرانيين، وحتى من قبل ادواتهم في المنطقة.. فلا ساحات موحدة ولا جبهات مفتوحة.. بل مناوشات ومداخلات وربط المواجهة بحدود التصعيد الاسرائيلي لحفظ ماء الوجه لا اكثر وحتى لا تخرج ايران من المعادلة التي اطلقتها خاوية الوفاض.. وكل ما هو مطلوب هو استحضار ايران الى ان تكون شريكاً كاملاً على طاولة المفاوضات.. وهذا ما كان اشار اليه وزير الخارجية الايرانية الراحل (عبداللهيان) عندما قال لا يمكن الاتفاق على حل للقضية الفلسطينية دون مشاركة او موافقة ايرانية..
- الحرب على الشعب السوري التي خاضتها ايران وادواتها بالتعاون مع روسيا.. كشفت حجم المخاطر التي قد يترتب عليها انتصار المشروع الايراني في المنطقة.. وفي الوقت نفسه.. ابتعاد بشار الاسد عن محور طهران، بعد ان تم تحجيم دور المعارضة السورية، عربياً وتركياً ودولياً.. وضع الموقف الايراني في مأزق.. فالتضحيات المادية لحماية نظام الاقلية العلوية في سوريا لا تقارن بانكشاف المشروع الديني الايراني في المنطقة وخسارة ايران وادواتها لورقة فلسطين وحماية الوحدة الاسلامية وتجنب الفتنة المذهبية ومواجه مشروع الفتنة الاميركي الذي يتم التحدث عنه باستمرار... وتبين انها كلها شعارات لا قيمة لها امام جشع القيادة الايرانية وطموحاتها التوسعية الدينية والجغرافية حين لاحت الفرصة في سوريا...؟؟..
- ابتعاد الاسد عن محور طهران، جعل محور طهران الممتد من طهران- بغداد- دمشق- حارة حريك.. في خطر.. من حيث القدرة على فرض واقع ديموغرافي جديد.. كما في حماية خطوط الامداد التي يتم قصفها بشكل روتيني من قبل طيران التحالف الدولي واسرائيل.. وبالتالي ماذا يمكن ان تقول ايران لميليشياتها الدولية من زينبيون وفاطميون وحشد شعبي وانصار الله وحزب الله.. الذين تم استخدامهم في سوريا لترسيخ الحضور وتثبيت المشروع الايراني.. مع ابتعاد بشار ويبدو انه يتوجه لتغيير تحالفاته لاطالة امد حكمه..!
التوجه اسلامياً من جديد..
- امام المتغيرات الاقليمية والدولية التي تفرض حضورها على دول الاقليم كما دول العالم انتخابياً كما امنياً.. كان لا بد من اعادة النظر بالاستراتيجية الايرانية المتبعة.. فكان ما نشهده اليوم من اعادة الانفتاح على الحركات الاسلامية وخاصة حركة الاخوان المسلمين التي تعتبر الحركة الاهم والابرز.. على الساحة العربية والاسلامية.. في محاولة لترميم العلاقات وتصحيح المسار وازالة الشوائب.. والهدف اطلاق رسائل في عدة اتجاهات:
- لبنانياً... الانفتاح على الجماعة الاسلامية رسالة للمسيحيين في لبنان وخاصة التيار الوطني الحر للقول ان بإمكان حزب الله اعادة احياء العلاقات مع الحركات الاسلامية وتجاوز ازمة التدخل في سوريا ضد المسلمين من قبل التحالف الايراني – الروسي..
- اقليمياً.. لاعطاء اشارة للدول العربية، بان ايران قادرة على رسم مسار سياسي جديد في المنطقة بالتفاهم مع بعض القوى الاسلامية في حال لم يتم التفاهم مع النظام في طهران وان تأثيرها قد يمتد من التحالف مع الاقليات المؤيدة لها الى التفاهم مع حركات اسلامية تتعرض للاضطهاد في دولها.
- دولياً.. الهدف من هذا الانفتاح تعزيز محور طهران من جديد، في حال نجحت المحاولة، وتعويض الخسارة الكبيرة التي منيت بها طهران في سوريا.. كما في فلسطين..
- اعادة تعويم طهران لمشروعها السياسي بعيداً عن المفردات الدينية المذهبية، واعادة الدخول الى سوريا (المواطنين وليس النظام) كما العراق واليمن من خلال انتاج علاقات طيبة مع حركة الاخوان وغيرها من الحركات الاسلامية لتفسير وتبرير ما جرى في المرحلة الماضية... دون الاعتذار او الاعتراف بالخطأ الاستراتيجي... واستخدام القضية الفلسطينية كغطاء يدغدغ مشاعر العرب والمسلمين...
الخلاصة:
هذا النهج الايران الجديد الذي يقوم على تغيير الاستراتيجية لاعادة الاعتبار لدورها وحضورها على الساحة العربية والاسلامية.. يواجه عقبات كثير.. منها المتغير التركي.. الذي بدأنا نشهد ملامحه في سوريا.. كما في عدم ثقة الحركات الاسلامية في الموقف الايراني من الساحة العربية والاسلامية بعد المشهد التدميري الذي اصاب دول المنطقة على يد الميليشيات المدعومة من ايران.. مما يعني ان السياسة الايرانية الجديدة.. هي مرحلة انتقالية لا اكثر ومحاولة لحماية استقرار نظامها بتوسيع اطار تحالفاتها الذي اهتز في سوريا كما في العراق.. وخلص المجتمعون الى هذا النهج الايراني لن ينجح لان البعد الديني في السياسة الايرانية كما في مواقف ادواتها لم يعد محل سجال ونقاش وجدال.. لقد جعلت ايران من موقعها في المنطقة في حالة مواجهة مع العالم العربي والاسلامي.. وجعلت من ميليشياتها فرقة معادية لمصالح الامة بدل ان تكون جزءاً من الامة تعمل لخدمتها واحترام تعدديتها..