بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
صدر مؤخرا قرار من قبل دولة الاحتلال بهدم 100 مبنى في مخيم جنين خلال 72 ساعة. قرارات ما انفكت هذه الدولة تنتهجها منذ 1948 لسياسة الأرض المحروقة.
هذا القرار يأتي إضافة إلى قرار سابق بهدم 96 مبنى، ما يعني محاولة إعادة تشكيل قسري للمكان والذاكرة.
وبالعودة إلى تاريخ هذه المخيم، فإنه قد تأسس عام 1953 بهدف أيواء اللاجئين الفلسطينيين ممن هُجروا قسرا من قراهم عام 48.
وقد شكل المخيم مع الوقت رمزا للمقاومة الفلسطينية من انتفاضة الأقصى إلى معركة جنين عام 2002 التي سجل فيها المخيم ملحمة بطولة وصمود، رغم الحصار الذي فرضته عليه دولة الاحتلال، ورغم المجازر التي ارتُكبت فيه.
واليوم يعاد المشهد ولكن عبر قرارات رسمية يوقعها المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" الذي تقاسم مع "بن غفير" ملفا المسجد الأقصى والضفة الغربية.
تلك القرارات التي تهدف إلى تفكيك المخيم وتحويله إلى مربعات سكنية مفتتة، تلتحق إداريا بمدينة جنين، وبالتالي محو خصوصية المخيم ككيان جغرافي وتاريخي وسياسي قائم بذاته وشاهد حي على النكبة واستمرارها.
وتأتي خطوة التفكيك تلك لمخيم جنين وغيره من المخيمات كخطوة خطيرة نحو إنهاء ملف اللاجئين بالتوازي مع تصفية وكالة "الأونروا" وانهاء خدماتها.
وبحسب اتفاقيات "جنيف" التي تحظر تدمير ممتلكات السكان المدنيين ما لم يكن مبررا بضرورات عسكرية قاهرة فإن الهدم الجماعي للمخيم يرقى إلى جريمة حرب. ولكن هذا الحظر وكما قلتها سابقا يُلقى به في سلة المهملات عندما يتعلق الأمر بالفلسطيني، ويصبح القانون الدولي مجرد خادم عند دولة الاحتلال. وهذا ليس بالأمر الجديد، فقد تواطأ هذا القانون وصمتت الاتفاقيات عام 1967 عن سياسة التهجير والتطهير المكاني الذي مارسته دولة الاحتلال في حي المغاربة في القدس حين قام الجيش بتهجير سكان الحي وهدمه لفسح المجال أمام إقامة ساحة واسعة تمتد اليوم إلى موقع حائط البراق.
كما صمتت لما حصل في مسافر يطا جنوب الخليل بعد السابع من أكتوبر. حيث تواجه خطر التهجير القسري نتيجة تزايد هجمات المستوطنين المدعومين من الدولة، إلى جانب عمليات الهدم والقيود المفروضة إلى الأراضي، والتوسع الاستيطاني من قبل سلطات الاحتلال.
لكن، هذا العدو لا يفهم أن محاولة محو المخيمات سيؤدي حتما إلى توليد أشكال جديدة للمقاومة أكثر تحديا وأشد شراسة وإيلاما. فالصبار لم يتوقف يوما عن تحوير أوراقه إلى أشواك تدمي كل من يحاول الاقتراب منه.
وعدو الشتات كلما تجبر وسعى بكل طاقاته الظالمة على هدم الذاكرة وتفكيك الهوية ومحو تاريخ النضال الطويل للفلسطيني، كلما فتح على نفسه كوة من نار، تتسع على قدر حجم البلدوزر الذي يظن بأنه قادر على اجتثاث جذور المخيمات. وهو يخطئ كل محاولة فهذه الجذور عميقة ومزروعة في الوعي الفلسطيني وعصية على الاجتثاث.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..