• لبنان
  • السبت, حزيران 07, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 11:02:32 م
inner-page-banner
مقالات

محمد عياش الكبيسي ـ بوابة صيدا 

"موجود في كتبنا": تجري هذه العبارة على بعض الألسن، أو على بعض الصفحات لأغراض مختلفة؛ منها الاستدلال بالتراث على صوابية المعلومة، ومنها عملية تشويه وطعن في تراثنا وفي كل من شارك في تدوينه.

وهنا في البداية أحب أن أضع قاعدتين كليتين في التعامل مع التراث:

الأولى: أن تراث أمتنا جزء من هويتنا وتاريخنا، فينبغي الاعتزاز به، والدفاع عنه، والبناء عليه والاستفادة منه.

الثانية: أن التراث ليس معصوما، وهنا ينبغي التفريق بين (الوحي المقدس) و (التراث)، بمعنى أننا نعتز بتراثنا لكننا لا نقدسه، ولا ندعي له العصمة، بل هو جهود علمائنا على مر التاريخ، فهو ثروة عظيمة وخبرة متراكمة ينبغي البناء عليها والاستفادة منها.

بعد هاتين القاعدتين أضع بين أيديكم هذه المعلومات التي تحل كثيرا من الإشكالات التي يعاني منها غير المختصين:

1 ـ ينبغي ملاحظة مناهج المؤلفين في تأليفاتهم، وهذه نقطة في غاية الأهمية، فمنهج الإمام البخاري مثلا في تأليفه لكتابه (صحيح البخاري) غير منهجه في كتابه (الأدب المفرد) فقد اشترط الصحة في الأول ولم يشترط الصحة في الثاني.

بينما منهج الإمام الترمذي مثلا يجمع الصحيح مع غيره في كتاب واحد، ثم يبيّن حكم هذا من حكم هذا فتراه يعقب مثلا (هذا حديث صحيح) أو (هذا حديث غريب) أو (هذا حديث منكر).

فحينما يأتي شخص مخالف ويقول (هذا موجود في كتبكم) ثم تسأله أين؟ فيجيب في الترمذي،  فالمشكلة هنا ليست في (كتبنا) وإنما في طريقة تعامل هذا الشخص مع الكتب.

2 ـ في التفسير بالمأثور تجد المفسر يجمع ربما كل ما قيل في تفسير هذه الآية، من باب الأمانة العلمية، ثم يختار منها قولا واحدا فيقول (وبهذا القول نقول)، ونحوه في كتب الفقه حيث تجد المؤلف ينقل كثيرا من الأقوال ثم يختار واحدا منها ويقول (وعليه الفتوى) أو (وهذا القول الراجح) وهكذا..

3 ـ بعض العلماء القدامى ممن كتبوا في السيرة النبوية بيّنوا منهجهم في المقدمة أنهم يجمعون لنا كل ما سمعوه صوابا أو خطأ، مثل كتاب (إنسان العيون) الذي جاء في مقدمته ( وليعلم الطالب أن السيرا .. تجمع ما صح وما قد أًنكرا) تاركا التحقيق لمن بعده، بينما تجد كتابا آخر في السيرة التزم الصحة (السيرة النبوية الصحيحة).

4 ـ في بعض الأحيان يستند الفقيه إلى المعلومات المتيسرة في زمانه في (الفلك) أو (الطب) وليست إلى نصوص شرعية، وذلك مثل (اختلاف المطالع) و (مدة الحمل)، وهذه علوم بشرية يكثر فيها الخطأ، وهي قابلة للتطوير والتغيير والتصحيح، وليس في ذلك أي حرج، فعلم الطب اليوم ليس هو علم الطب الذي كان في زمن مالك والشافعي، وهكذا الفلك وغيره..

5 ـ إن كثيرا من العلماء قد قاموا بجهود متراكمة بعملية تحقيق التراث وتنقيحه، كما فعل الذهبي مع مستدرك الحاكم، وكما فعل العراقي مع إحياء الغزالي، وكما فعل البرزنجي مع تاريخ الطبري، فهذه الجهود ينبغي أن تؤخذ بنظر الاعتبار عند التعامل مع كتب التراث.

6 ـ إن بعض الكتب المنسوبة إلى أئمتنا لم تثبت صحة نسبتها إليهم أصلا، وبعضها مدسوس بلا ريب، وبعضها جمع متأخر بلا سند ولا مصدر، وقد وقفت بنفسي على عشرات النماذج -مع الأسف- ولي معها قصص غريبة ومواقف طريفة ربما تتاح لنا فرصة للتطرق إليها..

الخلاصة أن الذي يريد أن يحتج علينا بما هو في تراثنا عليه أن يتعلم أولا الطريقة الصحيحة في التعامل مع التراث، بعد ذلك سنتعاون معه في حل إي إشكال  قدر المستطاع، أما هذا النقد أو الطعن الفوضوي، فهو عملية هدم عمياء، والعياذ بالله..

 

ـــــــــــــ

إقرأ أيضاً

قصة إعادة حفر ماء زمزم

علامات ظهرت عند ولادة النبي صلى الله عليه وسلم

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة