د. صريح صالح القاز
فما هي "عربات جدعون"، وماذا عن هذا المؤتمر؟
كما هو معلوم، فإن "عربات جدعون" هي عملية عسكرية واسعة يُعِدّ لها جيش الاحتلال الإسرائيلي، بمشاركة أكثر من خمسة فيالق عسكرية، وتضم العديد من الألوية ذات الأحجام والتخصصات المختلفة.
ويُراد منها – وفق المزاعم الإسرائيلية – احتلال قطاع غزة، ولا شك في أن الكيان الإسرائيلي يسعى من ورائها إلى تحقيق هدفين:
أولهما: تدمير المقاومة أو الضغط عليها بشدة لتحرير الأسرى الإسرائيليين،
وثانيهما: خلق معطيات ومعالم جديدة على الأرض، لعلها تجعل أي تصورات دولية لقيام دولة فلسطينية أمرًا غير ممكن، لا جغرافيًا ولا ديموغرافيًا.
وأكثر ما يُزعج الكيان الإسرائيلي في هذه المرحلة هو استمرار الفعل المقاوِم داخل القطاع، إلى جانب الضغط الدولي غير المسبوق، والمتمثل في العقوبات الاقتصادية، وإعلان عدد من الدول جديّتها في إعادة النظر في الشراكة الاقتصادية معه، بل وإفصاح بعضها عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين قريبًا.
ويبدو أن هناك اندفاعًا إسرائيليًا متسارعًا لتنفيذ هذه العملية العسكرية في ظل هذه التطورات و كإجراء استباقي قبيل انعقاد مؤتمر "حل الدولتين"، المرتقب عقده في مقر الأمم المتحدة بنيويورك منتصف يونيو القادم، والذي دعت إليه كلٌّ من السعودية وفرنسا، ووافقتها في ذلك عدد من الدول العربية.
و لعل هذا التخبط والتهور يعكسان إدراك الكيان الإسرائيلي المبكر لحجم التهديد الكامن في أبرز أهداف هذا المؤتمر، والتي تُعدّ – بحسب بعض التسريبات – منطلقًا لتغيير جذري في تعاطي المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية، لا سيما في ظل الصمت الأميركي المريب إزاء هذا المؤتمر إلى جانب الإطالة التي تشهدها الحرب والتي تؤكد للعالم صعوبة الحسم وتفاقم المأساة الإنسانية.
حيث تشير هذه التسريبات إلى أن من أهم مخرجات المؤتمر المرتقبة: الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، ووضع خطوات عملية لتنفيذ حل الدولتين، وتشجيع مزيد من الدول على الاعتراف بها ضمن حدود عام 1967.
كما يتضمّن المؤتمر المرتقب خارطة طريق تشمل إصلاح السلطة الفلسطينية، وتقديم ضمانات أمنية لإسرائيل، وتشكيل إدارة مستقرة لقطاع غزة، والشروع في عملية إعادة الإعمار، وكل ذلك استنادًا إلى المقررات الأممية، ولا سيما الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في يوليو 2024، الذي اعتبر استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية أمرًا غير قانوني، ودعا إلى إنهائه فورًا.
إلى جانب ذلك، يتضمن المؤتمر تطمينات للكيان الإسرائيلي باستمرار مسار التطبيع العربي معه.
ورغم أهمية هذا المؤتمر، الذي يُعقد تحت هذا العنوان المثالي (حل الدولتين)، فإن فرص نجاحه تبقى محل شكّ، في ظل تعنّت نتنياهو وحكومة السابع من أكتوبر المتطرفة، ورفضها حتى اللحظة عن تقديم أي تنازلات سياسية قد تُفضي إلى إنهاء الصراع، أو حتى القبول بحدود 1967 كمرجعية.
و ما يعزّز هذا التقدير هو استعجال حكومة الاحتلال لتنفيذ عملية "عربات جدعون" في هذه المرحلة بالذات، كمقامرة سياسية منها تنوي فرض أمر واقع ميداني قبل فرض أي تسوية دولية وذلك لقلقها من أن إطالة أمد الحرب كما أسلفنا فضلاَ عن الإخفاق في تحقيق أهدافها – حتى جزئيًا – سيُستغل سياسيًا من قبل خصومها في الداخل، وقد يُحدث شرخًا كبيرًا في شعبيتها، ويوفر للمعارضة فرصة لوصف نهجها الأمني والعسكري بالفشل الذريع ويعريها سياسيًا ومجتمعيًا في الحاضر والمستقبل.
في المقابل، فإن المقاومة لم ولن تقبل بفكرة نزع سلاحها أو استبعادها من أي إدارة مستقبلية لقطاع غزة، بعد كل هذه التضحيات.
لكونها لم تعد تثق بأي ضمانات، سواء كانت عربية أم إقليمية أم دولية، لا سيما بعد انقلاب نتنياهو على الاتفاق الأخير قبل تنفيذ المرحلة الثانية منه، في ظل عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ أي موقف فعّال إزاء ذلك.
وفي ضوء هذا المشهد المتشابك والمتداخل، ومن أجل إثراء الموضوع بالآراء، نطرح على المهتمين هذا التساؤل:
هل سيتمكّن نتنياهو من فرض هندسته الجغرافية والديمغرافية للصراع عبر "عربات جدعون"، قبل أن يفرض عليه المجتمع الدولي خارطة سياسية جديدة في نيويورك؟
أم أن المقاومة نفسها، بحسابات الميدان والصمود، ستُفشل ما يُراهن عليه قبل غيرها؟
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..