بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
يطالعنا تقرير للصحفي والمراسل العسكري "آفي أشكنازي" في صحيفة "معاريف" العبرية بتاريخ ١١/مايو/٢٠٢٥ يبرز فيه تآكل الثقة في قدرة حكومة "نتنياهو" على الخروج من الحرب على غزة بنجاح، كما ينتقدها بصراحة ويحذرها من تكرار أخطاء تاريخية.
فبعد العام والسبعة أشهر من الحرب لا زالت دولة الاحتلال تقف أمام مشهد يخلو من المعالم والإحداثيات الواضحة. ورغم كل الدمار والإبادة التي تعرضت لها غزة فإن أهداف "نتنياهو" التي وعد في بداية الحرب بتحقيقها، لم تتحقق إلى اليوم. والنصر المطلق الذي يتبجح بإحرازه، لا يزال سمك صعب المنال في بحر تتلاطم فيه الأمواج. حتى أن وزير الدفاع الصهيوني السابق "يوآف غالانت" اعترف بأن دولته تبحر بلا خارطة.
يعيد هذا التخبط إلى أذهاننا ما حدث عقب اجتياح بيروت عام ٨٢ تحت عملية أطلقت عليها دولة الاحتلال "سلامة الجليل" بذريعة أن جماعة أبو نضال حاولت اغتيال سفير دولة الاحتلال لدى بريطانيا، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك فمن ضمن أهدافها أن دولة الاحتلال أرادت إنشاء شريط أمني لإبعاد المقاومة الفلسطينية وحماية المستوطنات في الجليل. لكنها أي دولة الاحتلال سرعان ما اكتشفت بأنها تغرق في مستنقع مقاومة استنزافية، دامت حتى عام ٢٠٠٠ وخروجها المذلّ من لبنان.
واليوم يعيد المشهد نفسه ولكن في غزة المختلفة جغرافيا وديمغرافيا التي دخلها "نتنياهو" واعدا شعبه بتدمير حماس وتحرير الرهائن. غير أن المشهد لم يكن كما أراده "نتنياهو" فهو اليوم يبدو مشوشا وخاصة مع العمليات العسكرية البرية التي عمقت التناقضات وسط المفاوضات المتقطعة في القاهرة والدوحة. عداك عن أن الجيش يخوض حربا طويلة دون ميزانية مصادق عليها بسبب الخلافات السياسية حول التمويل العسكري ورفض المعارضة تمرير الميزانية لانعدام الأهداف الواضحة.
وتعتبر هذه سابقة منذ قيام دولة الاحتلال. ما ينعكس على الاستقرار الداخلي حيث الانقسامات بين تيار الأمن الذي يدعو إلى وقف الحرب واستعادة جميع الرهائن وبين تيار ديني متطرف يقوده اليمين ويرى في غزة معركة وجود يصعب التراجع عنها.
ومن النقاط الحساسة التي آثارها تقرير "أشكنازي" الآنف الذكر، هو إسقاط هذه الحرب على الوعي التاريخي اليهودي، حيث شبه دولته اليوم بتيه ما يسمى "تيه بنو إسرائيل" الذي استمر ٤٠ عاما بسبب المعصية وعدم الطاعة. ومعنى كلامه أن الدولة التي تأسست بعد ألفي عام من الشتات والتي لطالما تفاخر قادتها بتفوقها العسكري و الاستخباراتي، تجد نفسها اليوم عاجزة عن تحقيق نصر حقيقي على مقاومة محاصرة منذ ١٧ عاما.
لذلك فقد تكون هذه الحرب هي القاصمة لظهر دولة الاحتلال، والخسارة قد لا تكون عسكرية أو سياسية، بل وجودية.
فاستمرار الحرب دون أهداف واضحة يهدد بتقويض الفكرة التي قامت عليها العقيدة الصهيونية منذ عام ٤٨، وهي فكرة الردع. وإذا لم تراجع المؤسسة الصهيونية حساباتها وتدرك أن الأمن لا يبنى على القوة وحدها بل على رؤية تقنع الداخل قبل أن تردع الخارج.
ويأمل "آفي" في نهاية تقريره ساخرا أن يكون التيه الذي يجر "نتنياهو" دولة الاحتلال إليه بسبب المضي في الحرب بلا خريطة ولا بوصلة أن يكون قصيرا.
هذا التقرير يكشف لنا أهميةالسابع من أكتوبر، وأنه لم يكن دمارا لغزة كما يروج البعض، بل كان الشرارة المباركة التي كشفت هشاشة دولة الاحتلال وأسقطت وهم ردعها. لقد زلزل ذلك اليوم أركان منظومة أمنية تفاخر بها الاحتلال طويلا، وفضح تناقضاته الداخلية.
ما بعد السابع، ليس كما قبله، فهو بداية النهاية لمشروع استعماري فقد بوصلة البقاء.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..