بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
من المعروف بأنه ومنذ الاستيلاء على فلسطين عام 48 لم تتوقف محاولات دولة الشتات في استخدام كافة الأدوات والأساليب المنحطة لتركيع الشعب الفلسطيني، وكان البعد الأمني والاستخباري أحد أركان هذه الاستراتيجية.
اليوم، وفي ظل العدوان على غزة بعد السابع من أكتوبر، تتجدد ذات الأدوات والأساليب ولكن بأشكال أكثر خبثا وخطورة، حيث حذر أمن المقاومة بتاريخ 1 مايو 2025 المواطنين من الاقتراب من بعض المناطق شمال مخيمي البريج والنصيرات، مشيرا إلى أن الاحتلال يستغل ذلك لاستقطاب العملاء مقابل حفنة من الطعام أو الدواء أو المال.
هذا التحذير لم يأت من فراغ، فالاستخبارات الصهيونية لطالما اعتمدت على تفكيك النسيج المجتمعي الفلسطيني من الداخل، واستثمار الحاجة الإنسانية كأداة للاختراق.
فخلال انتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987 حاول الاحتلال تجنيد العملاء عبر إصدار ما عُرف بـ "البطاقة الممغنطة"، وهي وثيقة كانت تُمنح لمن يتعاون أمنيا مع سلطات الاحتلال. وكان الحصول عليها شرطا أساسيا للتنقل أو العلاج أو العمل.
ذات الاستراتيجية يُعاد إنتاجها اليوم، لكن بطرق مختلفة تناسب تغير الأدوات والظروف.
إن اعتماد العدو على حالات فردية من الحاجة الإنسانية، يعكس فشله في كسر إرادة المقاومة الفلسطينية عبر القوة العسكرية المباشرة، فيلجأ إلى ما يُعرف بـ"الحرب الرمادية"، وهي نوع من الصراع الذي تستخدم فيه وسائل غير تقليدية لتقويض الخصم دون الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة، وتعتمد على أدوات منها ما تستخدمه اليوم في غزة، مثل تجنيد عملاء لتفتيت الجبهة الداخلية.
إن تركيز التحذير على مناطق البريج والنصيرات، وهي مناطق تعرضت تاريخيا لمحاولات متعددة للاختراق، يشير إلى استمرار السياسة الصهيونية ذاتها في استهداف نقاط الهشاشة المجتمعية.
لكن مقابل ذلك، أثبتت التجربة الفلسطينية أن الوعي الجمعي قادر على التصدي لهذه المحاولات. فقد كان المجتمع في غزة خلال الحروب المتعاقبة مثالا على الصلابة، حيث ساهمت "لجان المقاومة الشعبية" و"الأجهزة الأمنية التابعة للفصائل" في كشف العديد من شبكات العملاء. ومثال ذلك ما حدث عام 2018 بعد عملية "حد السيف"، التي تمكنت خلالها المقاومة الفلسطينية من كشف العديد من وحدات الموساد والشاباك والمؤسسات التي تتحرك من خلالها الأجهزة الأمنية الصهيونية بعديد من المناطق العربية والإسلامية وضد المقاومة بغزة وخاصة كشفها لوحدة خاصة صهيونية كانت تنفذ عملية تجسس داخل خانيونس، بالإضافة لكشف العديد من العملاء وفق ضربة أمنية لحكومه الاحتلال مما شكل فضيحة أمنية كبرى لها.
اليوم، تعود ذات التحذيرات لتؤكد أن الصراع لم يعد مجرد مواجهة عسكرية، بل معركة على الوعي والذاكرة والانتماء. وإذا كانت المقاومة تدعو إلى عدم الاقتراب من بعض المناطق، فذلك ليس نابعاً من رغبة في تقييد حرية المواطنين، بل من إدراك دقيق لحجم التحديات التي تواجه الجبهة الداخلية في ظل حرب مركبة وشاملة.
في زمن يتداخل فيه الجوع مع الحصار والقصف والموت وتصبح لقمة العيش أداة اختراق، فإن الالتزام بالتحذيرات الأمنية لا يعكس فقط الانضباط، بل يعبر عن وعي سياسي عميق بمخاطر التفكك الداخلي. لقد أثبت التاريخ أن الجبهات التي تنتصر في الحرب ليست دائما الأقوى عسكريا، بل تلك التي تحافظ على تماسكها الداخلي وتفشل محاولات الاختراق الناعمة.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..