بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
من قسوة الحصار والركام، خرجت غزة مرة أخرى لتعلن أن حسابات القوة لا تقاس بما تملكه من عتاد، بل بما تختزنه من إرادة.
كمين "كسر السيف" الذي نفذته كتائب القسام شرق بيت حانون شمال قطاع غزة يعتبر عملية نوعية، استمرت ٢٦ ساعة متواصلة، وجرت على ثلاث مراحل متتالية.
هذه العملية ما هي إلا مشهد مصغر لصراع طويل بين مشروع استعمار استيطاني وجذر مقاوم متجدد.
عملية كسر السيف تؤكد أن الكف، حين يحمل الوعي والصلابة يكون قادرا على أن يثلم سيف المحتل، مهما بدا حادا. وقد أتت كتجسيد حي لمعادلة تاريخية عرفتها شعوب عديدة، من ثوار الجزائر إلى مقاتلي فيتنام الذين أعادوا تعريف مفهوم الانتصار.
كمين بيت حانون لا يُقرأ فقط بمعادلة الخسائر المادية، بل بما يحمله من رسائل استراتيجية من إسقاط وهم السيطرة، وزرع الخوف في صفوف جيش اعتاد منذ نشأته أن يُوصف بأنه الأسطورة التي لا تهزم.
لطالما سعى الاحتلال إلى إحكام قبضته عبر أدوات التفوق العسكري ، غير مدرك أن التفوق الحقيقي ينبع من الجذور العميقة بأرض فلسطين وتاريخ فلسطين الكنعاني. هنا يكمن التشابه العميق مع نضالات الشعوب عبر التاريخ، حيث فشلت الجيوش المحتلة، رغم قوتها وامتلاكها السلاح، في استدامة سيطرتها على الأرض أو في انتزاع الشرعية من أصحاب الحق. لأن المعارك تُحسم لا بالسلاح فقط، بل بالإيمان بالجذور الراسخة والارتباط بالهوية التي تمنحها الأرض لأصحابها، لا لمن جاءوا من شتات الأرض غازين مستعمرين.
ولعل توقيت عملية كسر السيف حمل دلالات عميقة، ففي لحظة كانت فيها دولة الاحتلال تبذل جهودا دعائية مكثفة تسوق من خلالها صورة انتصارها وسيطرتها، جاءت ضربة القسام لتنسف هذه الرواية من جذورها. وذلك أشبه ما يكون بكسر الأسطورة الصهيونية بالتفوق والجيش الذي لا يقهر كما حصل في معركة الكرامة ١٩٦٨، حيث أثبتت المعركة أنه جيش يمكن هزيمته باجتماع الأمة وتوحدها، ووجود قادة أشراف بديرون المعارك ولا يخضعون لأي أجندة تخدم مصالح العدو.
واليوم فإن كمين "كسر السيف" يعيد تثبيت معادلة الردع الشعبية، تلك التي نشأت بعيدا عن المؤسسات الرسمية وأطر التسويات الهشة، معتمدا على الإبداع القتالي والمرونة التكتيكية. وكما أكدت التجربة في جنوب لبنان خلال مواجهة الاحتلال الصهيوني هناك، فإن الفعل المقاوم حين ينهض من بين الأنقاض، يكون أكثر قدرة على خلخلة حسابات العدو، مهما كانت موازين القوى مختلة.
ما جرى شرق بيت حانون هو أكثر من عملية ناجحة عسكريا، إنه إعلان رمزي متجدد أن المعركة على هذه الأرض لا تزال في بداياتها، وأن الاحتلال، بكل ما يملك من جبروت، لن يجد الاستقرار لا تحت أنفاق غزة ولا فوق سهولها. وفي لحظة يحاول فيها العالم تجاهل معاناة شعبنا في غزة خاصة وفلسطين عامة، تأتي مثل هذه العمليات لتفرض حضور القضية قسرا على الطاولة الدولية، تماما كما كانت العمليات الفدائية في السبعينات تعيد تسليط الضوء على فلسطين رغم محاولات الطمس والتغييب.
وهكذا، تُثبت غزة مجددا بمجاهديها وشعبها الصامد، أن الشعوب التي تقاتل دفاعا عن حقها ووجودها، قادرة أن تنتج انتصارات حقيقية تكتبها بالدم، لا بالحبر. وأن السيف الذي يحمله الاحتلال، مهما ظنه حادا وقاتلا فهو قابل للكسر كلما التقت الإرادة مع الفعل المقاوم.
وبين الأمس واليوم، وبين بيت حانون ونضالات التاريخ، خط واحد لا ينكسر.... أن الحرية، وإن تأخرت هي قدر حتمي لشعوب لا تعرف الانكسار. وشعبنا في فلسطين لا يعرف الانكسار فإما نصر أو استشهاد وعلى طريق القسام ماضون بإذن الله.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..