• لبنان
  • الاثنين, نيسان 28, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 5:20:43 ص
inner-page-banner
مقالات

قصف بالجملة.. والأرواح مجرد أرقام وسط عاصفة الخلافات..

بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا

تشير التقارير الأخيرة إلى تفجر خلافات حادة بين سلاح الجو لدولة الاحتلال وقيادة المنطقة الجنوبية على خلفية الغارات على قطاع غزة،. وبحسب ما جاء في صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية فأن "سلاح الجو غير راض عن عدد المدنيين القتلى في غزة جراء الغارات على أهداف تختارها القيادة الجنوبية".

 هذا المشهد يعيد إلى الأذهان طبيعة الانقسامات البنيوية داخل المنظومة العسكرية الصهيونية منذ تأسيسها على أنقاض النكبة عام ١٩٤٨.  وهذه ليست المرة الأولى التي تتجلى فيها الصراعات الداخلية، فقد كان الاحتلال منذ ولادته مشروعا هشا، يتغذى على توترات خفية بين الأجهزة المختلفة، ويفضح هشاشة الأساطير المؤسسة عن التجانس المزيف ووحدة المصير بين مكوناته العسكرية والسياسية. ومن يقرأ تاريخ عصابة الهاجاناه وأختيها "إرغون" و"شتيرن" وخلافات قادتها مع "بن غوريون" يدرك هشاشة الأسطورة.

إن الاعتراض الذي تسرب للعلن، والمتمثل في عدم رضا سلاح الجو عن عدد "القتلى" بحسب تعبيره والذي اعتبره غير كاف، يكشف البنية الذهنية التلمودية الدموية التي تحكم العقلية اليهودية تجاه الشعب الفلسطيني، حيث يتحول البشر إلى أرقام في معادلة القوة والسيطرة . وهذه هي العقلية ذاتها التي امتدت منذ مجازر دير ياسين وكفر قاسم والدوايمة وصفورية وغيرها، حيث لم يكن الهدف مجرد السيطرة على الأرض بل ترسيخ ثقافة الخوف في الوعي الجمعي للشعب الفلسطيني.

الانقسامات العسكرية بين سلاح الجو والقيادة الجنوبية حول طبيعة الأهداف ومستوى "الردع" المطلوب، إنما تعكس أزمة أعمق في الفكر الصهيوني، الذي يتأرجح بين ذريعتا "الأمن المطلق" و "الضربة الاستباقية"، وهي ثنائية دفعت بما يسمى بالمؤسسة الأمنية عبر عقود إلى ارتكاب حروب كارثية مثل عدوان ١٩٥٦ على مصر، ثم اجتياح بيروت عام ١٩٨٢. حيث لم تؤدِ هذه الحروب إلا إلى تعميق الكراهية ضد دولة الاحتلال وعزلتها عالميا.

أما اليوم، فإن الخلاف حول غزة فالاحتلال بات عاجزا عن تحقيق "نصر مطلق" كما أراد "بنيامين نتنياهو" دون أن يغرق في مستنقع الفوضى الأخلاقية والسياسية. فكل ضربة جوية تُقابل بتنديد شعبي عالمي وغضب  متصاعد، وكل مجزرة تعمق الهوة بين دولة الاحتلال وتهشم صورتها الزائفة كدولة "ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط". وبدلا من أن تحقق آلة القتل أهدافها في إخضاع أهلنا في غزة فإنها تنتج مزيدا من المقاومة والصمود في تكرار لمعادلات الاحتلالات الفاشلة عبر التاريخ.

التاريخ يعلمنا أن مشاريع الاحتلال التي تفشل في إدارة أزماتها الداخلية تسير نحو الانهيار، ولنا في الجزائر خير مثال.

 فدولة الاحتلال التي عجزت عن قتل المقاومة قبل صفقة ١٩/يناير/٢٠٢٥ وتكبدت الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات بمغامرتها الفاشلة بعد دخولها البري، اليوم ترى في سلاحها الجوي عصاها السحرية التي تقتل وتدمر قدر ما يشاء، لكنها تغفل حقيقة أن الاحتلال مهما تجبر بأسلحته الفتاكة ومهما ارتكب من مجازر فإنه، يظل عرضة للزوال أمام صلابة الشعوب.

والخلافات بين سلاح الجو وقيادة الجنوب ليست إلا رأس جبل الجليد. فخلف الأبواب المغلقة، تدور معارك أكثر شراسة حول جدوى الاستمرار في مشروع الهيمنة بالقوة العارية، في وقت تعصف فيه الأزمات الداخلية بالمجتمع اليهودي ذاته من تآكل الثقة بين الجيش والسياسيين وتفكك الجبهة الداخلية، واشتداد الانقسامات الأيديولوجية والعرقية بالإضافة إلى تراجع الإيمان بالرواية الصهيونية الكبرى.

إن الخلاف حول كيفية إدارة العدوان على غزة يكشف أن الاحتلال دخل طور التآكل الذاتي بالفعل، تماما كما تنبأ "يغال ألون" وهو

سياسي صهيوني سابق، وقائد لقوات "البلماح" عندما قال إن

 "إسرائيل قد تكسب كل معاركها، لكنها قد تخسر الحرب الكبرى بسبب عجزها عن التعامل مع الحقائق الديموغرافية والسياسية في المنطقة".

وفي النهاية، تبقى الحقيقة التاريخية الكبرى ماثلة أمامنا: لا ينهار الاحتلال في يوم، بل يتآكل من داخله، مع كل شقاق، مع كل صراع على طريقة القتل، مع كل لحظة يرى فيها العالم بوضوح وجهه الحقيقي دون أقنعة. 

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة