بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
في مشهد متكرر وموجع، تعرّض عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجن "مجدو" خلال الأيام الماضية لحالة تسمم غذائي، بعد تناولهم طعاما فاسدا قدمته إدارة السجن، ما أدى إلى إصابتهم بأعراض صحية شديدة، تمثلت في آلام بالبطن، إسهال، تقيؤ، وارتفاع درجات الحرارة. ورغم وضوح الأعراض وخطورتها، امتنعت إدارة السجن عن تقديم أي رعاية صحية أو إجراء فحوصات طبية، ما يعكس بوضوح سياسة الإهمال الطبي الممنهجة التي تُمارس بحق الأسرى، وتحوّلها إلى أحد أشكال التعذيب النفسي والجسدي الدائم داخل السجون الصهيونية.
وتعتبر هذه الحادثة جزء من منظومة قمع متكاملة تمارسها دولة الاحتلال ضد الأسرى الفلسطينيين، الذين تجاوز عددهم الـ 7000 أسير وفقا لإحصائيات نادي الأسير الفلسطيني لعام 2024 بينهم مئات المرضى والمصابين، وبعضهم يعاني من أمراض مزمنة وخطيرة ولم تتلقي العلاج المناسب.
وقد حذر النادي مؤخرا من كارثة صحية نتيجة انتشار عدد من الأمراض المعدية بينها الجرب "السكايبوس" بين المعتقلين في سجن مجدو. وقد أفردت لهذا مقالا تم نشره في وقت سابق.
ويُذكر أنه منذ بداية الحرب على غزة 2023 استشهد في سجون الاحتلال حوالى 63 أسير، وفق بيان مؤسستي شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير، من ضمنهم الأسير القاصر وليد أحمد الذي استشهد في سجن مجدو جراء التعذيب والإهمال الطبي.
حيث لم يعد هذا الإهمال تقصيرا عابرا، بل سياسة رسمية تتعمد ترك الأسير يواجه مصيره دون تدخل، وهو ما وثقته تقارير منظمات حقوق الإنسان مثل "بتسيلم" و"هيومن رايتس ووتش"، التي أكدت مرارا أن سلطات الاحتلال تستخدم الحرمان من الرعاية الصحية كأداة قمع إضافية.
سجن مجدو الواقع في منطقة مرج ابن عامر والذي شهد الواقعة الأخيرة وأقصد حادثة التسمم، ليس مجرد مبنى اعتقال، بل شاهد حي على تاريخ طويل من الانتهاكات. حيث أنشئ بداية كمخيم اعتقال زمن الانتداب البريطاني، وأعيد تفعيله من قبل دولة الاحتلال ليصبح أحد أكبر السجون المخصصة للأسرى الفلسطينيين. ويُعرف بظروفه القاسية واكتظاظه الشديد، ويضم في أقسامه أسرى من كافة الفئات، بما في ذلك القاصرون والمعتقلون الإداريون، الذين يتم احتجازهم دون تهمة أو محاكمة لفترات طويلة، وهو إجراء يخالف بشكل مباشر القوانين الدولية واتفاقية جنيف الرابعة. هذه القوانين التي تصمت حين يتعلق الأمر بالفلسطيني، وهذا ما أصرخ به دائما وأكرره في مقالاتي.
إن ما حدث في مجدو هو انعكاس صارخ للواقع السياسي الذي يعيش فيه أهلنا في فلسطين تحت الاحتلال. فالأسرى، الذين هم في الغالب مقاومون ضد الاحتلال، يُعاملون كمجرمين ويُسلبون أدنى حقوقهم الإنسانية. بينما تستفيد دولة الشتات من غياب أي ضغط جدي من المجتمع الدولي، خصوصا في ظل ازدواجية المعايير التي تُمارَس عند الحديث عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة. فلو أن حادثة مشابهة وقعت في أي مكان آخر، لقامت الدنيا ولم تقعد، أما حين يتعلق الأمر بالفلسطيني، فإن الصمت دائما ما يكون هو اللغة السائدة.
إن قضية الأسرى الفلسطينيين لا يمكن فصلها عن جوهر القضية الوطنية، فهم المرآة التي تعكس طبيعة الاحتلال، وأحد أعمدة النضال الفلسطيني المستمر. وما يتعرضون له من قمع وتعذيب وإهمال، هو جزء من محاولة الاحتلال كسر إرادتهم وكسر روح المقاومة. لكن التجارب أثبتت أن الأسرى هم أكثر من مجرد ضحايا، بل هم رموز حرية، تحمل أجسادهم آثار السجون، وتحمل أرواحهم صلابة وطن لا يموت.
ما جرى في مجدو هو جريمة أخرى تُضاف إلى سجل دولة الاحتلال الحافل بالانتهاكات، جريمة لن تكون الأخيرة ما لم تتحرك المؤسسات الدولية لوقف هذا الاستهتار د. فالصمت لم يعد مبررا، والتغاضي شراكة ضمنية في الجريمة. ومع كل ذلك، يبقى صوت الأسرى أعلى من جدران السجون، وأقوى من قيودهم، يصرخون في وجه الظلم، ويذكّرون العالم أن الاحتلال لا يكتفي بسرقة الأرض، بل يستهدف الإنسان في أدق تفاصيل حياته، حتى في لقمة طعامه.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..