سامر زريق ـ نداء الوطن
لم يكن اختيار رئيس «التيار الوطني الحر»، جبران باسيل، عاصمة الشمال لاحتضان إطلالته الأولى من مقاعد المعارضة عن عبث، بل نقطة البداية لمسار تصاعدي، تحدثنا عنه في مقال سابق إبان مفاوضات تأليف الحكومة، تتحول فيه طرابلس إلى «عاصمة المعارضة».
يتبدّى هذا التوجه بشكل أوضح في اللقاء الجامع الذي عقد في المدينة أمس تحت شعار «درء الفتنة»، بذريعة منع انتقال التوتر الطائفي الذي اندلع في الساحل السوري إلى الشمال اللبناني، وتولى زمام القيادة فيه الرئيس نجيب ميقاتي، بالأصالة عن نفسه، وبالوكالة عن «تيار المستقبل». فهو من وجّه الدعوات، وأغلبها شخصياً، وأعد بالتنسيق مع السنيورة و»المستقبل» الوثيقة التي حملت مسمى «إعلان طرابلس»، والذي كان حافلاً بالمصطلحات الرتيبة إياها.
تشير المعلومات إلى أن ميقاتي، العائد إلى «موطنه» بعد غياب سياسي طويل، رام استغلال الأحداث السورية، وعمل مع عدد من الأطراف الفاعلة في الساحة الطرابلسية على تضخيم «الفقاعة» الإعلامية التي صنعها جهاز دعاية «حزب الله»، للإيحاء بعودة «الجبهة السنّية – العلوية» في طرابلس، والتي أثبتت الوقائع أنها دُفنت وقُرئت عليها سورة الفاتحة، في رسالة تستبطن غرس «خنجر» في خاصرة العهد الجديد و»خطاب القسم».
التقى «الجَمْعان»، بعدما رأى ميقاتي أن الفرصة مناسبة لولادة منصة سياسية ذات طابع سنّي تجمع المتضررين من حكومة سلام، وخصوصاً تعييناتها، وتمهد لتحالف مع «المستقبل»، حيث شهد اللقاء الظهور الأول للنائبة السابقة بهية الحريري كـ «وكيل سياسي» عن الرئيس سعد الحريري، يخوضان به النزال الانتخابي البلدي ثم النيابي بخطاب يرفع لواء «المظلومية السنّية»، بدأت علائمه بالظهور من خلال التحريض المكثّف على احتكار منطقة «إقليم الخرّوب» للمراكز السنّية الرفيعة، ويتغافل عن حقيقة إبعاد طرابلس وعكار عن «كعكة» التعيينات في حكومات ميقاتي والحريري.
أبعد من ذلك، كان السنّة غائبين عن المشهد طيلة الفترة الماضية، بعدما ارتأى «أهل الحل والعقد» الذين اجتمعوا بالأمس أن ينأوا بأنفسهم عن كل التحولات السياسية العاصفة في غزة ولبنان وسوريا، فلم يعقد أي لقاء جدّي يبحث في مستقبل «أهل السنّة والجماعة» ضمن المعادلة السياسية، ما خلا ذاك الاجتماع اليتيم الذي دعا إليه ميقاتي في السراي، كي يتأبط صورته معه إلى السعودية، ولم يصدر عنهم أي موقف، رغم تبعات توريط «حزب الله» لـ «الجماعة الإسلامية» في حمل السلاح في حواضر السنّة، وهذا ما جعلهم على الهامش.
كل ذلك لم يكن له أثر في إيقاظ الحمية السنيّة من سباتها العميق الأشبه بنومة «أهل الكهف» عند ميقاتي و»المستقبل» وبعض الساسة التقليديين، ما جمعهم هو الخوف على مستقبلهم السياسي بعدما لمسوا أنه ثمة قرار متخذ من العواصم المعنية بالشأن اللبناني باستيلاد مسؤولين جدد والاستغناء، بقدر ما هو ممكن، عن المسؤولين والرموز الملوثين بالفساد.
ما زاد من توجسهم أكثر، الإطاحة برجالاتهم ومفاتيح نفوذهم في الدولة، إذ ذاك بادروا إلى التحرك والعمل على إنعاش الشعور السنّي، مستفيدين في ذلك من بعض الثغرات في نهج رئيس الحكومة، من أجل تشكيل رأي عام معارض، أبرزها امتناعه عن مخاطبة اللبنانيين لشرح رؤيته وقراراته.
وإذا كان ثمة من استوقفه حضور الرئيس فؤاد السنيورة، فإن اللافت أكثر هو ما كشفه ميقاتي أمام الإعلاميين بأن «فكرة الاجتماع خرج بها السنيورة».
تشير معلومات «نداء الوطن» إلى أن هذه المبادرة لها أبعاد سياسية «عميقة» تتجاوز التفاصيل الداخلية، وبأن المجتمعين بالأمس هم من لديهم ناصية القرار الاستراتيجي للشارع السنّي والتأثير عليه وليس الرئيس سلام.
واستحوذت المسألة السورية على أكثر من نصف كلمة السنيورة للإعلام، وبأن «سوريا هي مدخلنا الوحيد إلى العالم العربي»، وهو غمز من وتر يتم العزف عليه بين الحين والآخر بأن اتفاق سنّة لبنان وسوريا يمنحهما وزناً جيوسياسياً يمكن استثماره للضغط على السعودية والتأثير في بعض قراراتها.
يلتقي هذا الغمز مع مناخ عتب على السعودية في الاجتماعات والمجالس الضيقة لبعض رعاة لقاء الأمس، حيث يتم تحميلها مسؤولية ما آل إليه حال السنّة، فيما هم وحدهم من يتحملون المسؤولية. فليست السعودية من طلبت التحالف مع «حزب الله»، ولا تسليم الرئيس بري مفاتيح الدولة مقابل تحصيل منافع شخصية على حساب الحضور السنّي.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..