بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
سارعت المنظمة الصهيونية حال صدور "وعد بلفور" إلى إصدار بيان وقعه عدد من زعماء الحركة الصهيونية الروس. وهم "ناحوم سوكولوف" و "ياحيل تشيلينوف" و "حاييم وايزمان".
وقد أعلنت المنظمة أن "الأماني التي جرى التعبير عنها في برنامج "بازل" وحدت الآن مرساتها وقاعدة أرضية صلدة في تصريح الحكومة البريطانية الرسمي".
ويُذكر أن السير "رونالد ستورز" قد وصف الصدى الذي لقيه الوعد في كتابه "استشراقات" بقوله "لقي الوعد صدى رائعا واستحسانا في الصحافة، يضاف إلى ذلك ما حظي به من التأييد العام والكبير لدى آلاف من الكهنة الإنغليكانيين والقساوسة البروتستانتيين وغيرهم من الرجال المتدينين في سائر أنحاء نصف الكرة الغربي".
وكان بعد أن احتلت بريطانيا فلسطين باسم الانتداب أن نظمت البعثة الصهيونية إلى فلسطين مؤتمرا ليهود فلسطين في مدينة يافا بتاريخ ١٨/ديسمبر/١٩١٨ لوضع صيغة ما أطلقوا عليه "الخطوط العريضة للحكومة المؤقتة في فلسطين".
ومما يلفت النظر أن عدد اليهود في ذلك الوقت لم يكن يزيد عن الخمسين ألفا. ومع ذلك فقد وجهوا دعوة إلى مؤتمر "الصلح للسلام" - الذي سينعقد في باريس بتاريخ ١٨/يناير/١٩١٩ للمنتصرين في الحرب العالمية الأولى لكي يقرروا تقسيم غنائم المنهزمين ومنهم إرث الأتراك- إلى الاعتراف بفلسطين كوطن قومي لليهود، كما أصرت قرارات المؤتمر على وصاية بريطانيا وحمايتها، ودعت إلى إنشاء "جمعية استعمار يهودي" تقر بها "عصبة الأمم" التي كان إنشاءها من أهم قرارات مؤتمر الصلح، بحيث تتمتع هذه الجمعية بسلطات واسعة لتنظيم الهجرة اليهودية بهدف الاستيلاء على أراضي فلسطين وتطويرها. وأيضا بهدف قلب الميزان الديمغرافي للبلاد لصالح اليهود.
وفي الوقت الذي كان ينعقد به مؤتمر يافا، كان ينعقد مؤتمر يهودي أميركي في الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدا في فيلادلفيا، دعا مؤتمر "الصلح" أيضا لكي يتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية للاعتراف بالمطالب التاريخية المزعومة ليهود الشتات بفلسطين.
وقد قام "لويس برانديز" -وكان أول قاضيا يهوديا يتم تعيينه في المحكمة العليا الأمريكية- بتسويق "وعد بلفور" للرئيس "ودرو ويلسون" الذي أبدى تعاطفا وتأييدا لبريطانيا وللوعد.
ويعتبر دعم المشيخي "ويلسون" للصهيونية نقطة تحول في السياسة الأمريكية في عهده وعهد الرؤساء اللاحقين. حيث بدأت الولايات المتحدة الأمريكية منذ ذلك الوقت تتبنى المواقف الداعمة للصهيونية في سياساتها.
ولكن مما يلفت النظر إلى الانتماءات الدينية لرؤساء الولايات المتحدة، أنهم جميعا من "المشيخيين" و "المشيخية" طائفة تعود جذور معتقداتها وممارساتها إلى تعاليم "جون كالفين" وهو مصلح فرنسي من القرن السادس عشر، كان لاهوته مشابها ل "مارتن لوثر". وكنت قد تناولته في مقال سابق. بالإضافة إلى الطوائف البروتستانتية" الأخرى، ما عدا الكاثوليكي "جون كينيدي" وقد تم اغتياله من اليهود. و "جو بايدن" الكاثوليكي أيضا، غير أن الأخير "مسيحي صهيوني" كما نعت نفسه.
ويعد تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة هو أول من استخدم مصطلح "الصهيونية المسيحية". وعرف المسيحي المتصهين بأنه "المسيحي الذي يدعم الصهيونية. والمسيحية الصهيونية تسعى إلى إعادة بناء الهيكل المزعوم "هيكل سليمان الثالث".
و"الصهيونية المسيحية" تنتمي إلى الجماعة المنحدرة غالبا من الكنائس "البروتستانتية"، وهي "فئة تؤمن بأن قيام دولة "اسرائيل" عام ٤٨ كان ضروريا، لأنه يشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملك منتصر لألف عام، بعد أن يخوض حرب مع الشر في العالم".
ومن هنا فهذه الفئة تؤمن أن من واجبها الدفاع عن"اسرائيل" وتعارض أي نقد معارض لها وخاصة في الولايات المتحدة.
وقد شاهدنا ما قدمته الولايات المتحدة بعد السابع من أكتوبر/٢٠٢٣ من دعم غير مشروط لدولة الاحتلال. حيث صرح "جو بايدن" علانية أنه صهيوني قائلا "ليس ضروريا أن تكون يهوديا حتى تصبح صهيونيا. وأنا صهيوني وهذه حقيقة لا أعتذر عنها".
كما صرح سيناتور آخر بأن هذه الحرب هي حرب دينية.
فما الذي سيختلف مع "دونالد ترامب" وهو امتداد لمن سبقوه؟
فهو يدعي كاذبا أنه رجل سلام وهو يسعى إلى إقامة ما تسمى ب "إسرائيل الكبرى". وها هي إدارته عن "وول ستريت جورنال" تطلب من زعماء الكونجرس الموافقة على بيع أسلحة لدولة الاحتلال بقيمة مليار دولار تقريبا، بما في ذلك ٤٧٠٠ قنبلة من طراز MARK_83 بوزن ١٠٠٠ رطل، ومجموعة ذخائر الهجوم المباشر المشترك JDAM بقيمة ٧٠٠ مليون دولار. كما تتضمن جرافات مدرعة من طراز "كاتر بيلر"D9. ومعدات أخرى تقدر ب ٣٠٠ مليون.كما ويصر على تهجير سكان غزة الشرعيين زاعما أنه ينوي بذلك إعادة إعمارها. وبما يخص مصير الضفة الغربية صرح مؤخرا قائلا "سنعلن موقفنا من سيادة اسرائيل على الضفة الغربية خلال الأسابيع الأربعة المقبلة..