• لبنان
  • الأربعاء, شباط 05, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 8:48:36 ص
inner-page-banner
مقالات

الرئيس المكلّف يستعين بـ "عصا" موسى لتطويع السنّة

سامر زريق ـ نداء الوطن

لطالما استخدم مصطلح "العصا" في النقاشات السياسية للتعبير عن حالة ضغط زجرية، لكنها اكتسبت هالة رمزية مقدّسة بعدما رماها "صانع الطوفان" بوجه المسيّرة الإسرائيلية، فاستحالت في الخيال الجماهيري الإسلامي أقرب إلى "عصا" موسى عليه السلام، والتي يُقال إنها نفسها المعروضة في المتحف الذي يحتضن "الأمانات الإسلامية المقدسة" في اسطنبول.

تلك "العصا"، التي تعدّ من المُعجزات الكبرى، وذكرها الله تعالى في القرآن الكريم في غير موضع، أبرزها سورة طه "وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكّأ عليها وأهشّ بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى"، يجري استحضارها بشكل مكثّف، ولا سيّما "مآربها الأخرى"، في المنازلة السنية الطابع، حيث يُتّهم الرئيس المكلّف القاضي نواف سلام بالاستعانة بها لتطويع الشخصيات والكتل النيابية والقوى السياسية السنّية.

القضية في هذه المنازلة، الصاخبة تارة، والصامتة أطواراً، ليست محصورة في ردّ مطالب الاستيزار وتجاهل حقوق التمثيل، بل تكتسي طابع الصراع بين التقليد والتجديد، حيث تشعر القوى السنّية بأن سلام "يتّكئ" على "عصا" الدعم الدولي والعربي، ولا سيّما السعودي، بشكل غليظ ينتقص من مشروعيتها، لـ "مأرب" فتح الباب أمام عملية إحلال وتبديل واسعة، يُراد من خلالها إحالة تلك القوى إلى التقاعد الدائم.

في الأحاديث المنتشرة في الأوساط السياسية، والتي يُنسب بعضها للدائرة المقرّبة من الرئيس المكلّف، وبعضها الآخر يُسرّ به في "الحضرة" السياسية التقليدية، أن سلام لا يعبأ بالساسة السنّة لـ "ثقته" بأن جميع نوّابهم، ما خلا الممانعين الخُلُص، سيمنحون حكومته "الثقة" تحت تأثير الـ "عصا" إيّاها، لذلك يجد نفسه متحرّراً من أيّة قيود في تسمية الوزراء السنّة.

وحينما أثار بعض النوّاب ضجيجاً اعتراضياً، اجتمع بهم بقصد الحؤول دون تشكّل حالة اعتراض في الشارع، وقال لهم بصراحة إنه هو من يسمّي كل الوزراء، ولن يأخذ من الأحزاب أسماء أو توصيات إزاء الحقائب، وكان واضحاً أمام بعض النوّاب، وشخصيات مستقلة، بأنه سيسمّي شخصيات سنّية من خارج دائرة التقليد والمتداول، وغالباً من العاملين في المهاجر.

أحد النوّاب ذكّره بأنّ البلاد تواجه ظروفاً استثنائية وتحوّلات كبرى ستفرض على حكومته اتّخاذ قرارات سياسية صعبة تستوجب أن يكون الوزير "مُسيّساً"، فكان جواب الرئيس المكلّف أن السياسة عنده، وأن مقام رئاسة الحكومة هو من سيقود المقاربة السياسية كلها.

هذا الواقع زاد من توجّس القوى السنّية، بما فيها تيار المستقبل، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي لن ينسى مرارة الهزيمة، بأنّ "عصا" الدعم العربي والدولي ليس محصوراً دورها بإعادة انتظام الحياة السياسية، بل أيضاً إخراجه والقوى السنّية منها. وهو ما يفرض عليهم التقارب الذي بدأت ملامحه بالتشكّل بطريقة ناعمة، مثل إيعاز ميقاتي لجمهوره بالمشاركة في ذكرى اغتيال رفيق الحريري للمرة الأولى.

لا ريْب في أن كلّ السنّة يقرّون بمرجعية السعودية، وحتى القريبين من الممانعة، لكنّ ذلك لا يعني أبداً الركون إلى الاستسلام والخروج من الحلبة السياسية. وإذا كان الرئيس المكلّف "يتّكئ" على "عصا" الدعم العربي والدولي للقفز فوقهم، فإنه لا يَسَعُه توظيفها في اليوميات السياسية لحكومته. وبالتالي ثمّة هامش سيُعمل على توسيعه لتكوين معارضة تبدأ ناعمة، و "تتخوْشن" مع الوقت كلّما اقتربت الانتخابات النيابية، خصوصاً مع وجود عناصر شديدة الحساسية يمكنها رفد الخطاب السياسي لتزخيمه ومنحه موثوقية الناخبين.

منها "مدنية" الرئيس المكلّف، وموقفه من المؤسسة الدينية، والذي تنبّه لتوظيفه من قبل معارضيه، فسارع للاتصال بمفتي الجمهورية. ناهيكم بقضايا بدأ الترويج لها، مثل موافقته على إقرار الزواج المدني، الذي أصاب شعبية الرئيس سعد الحريري بالضرر في وقت سابق، رغم كل ما كان يتمتع به من أدوات سياسية ليست متاحة لسلام.

اللافت في هذا المناخ المعارض "قيد التكوين" هو صيرورة طرابلس عاصمته وعصبه، الأمر الذي يضع الرئيس المكلّف أمام تحّدٍ يستوجب التعاطي معه بحنكة شديدة، بدءاً باسم الشخصية الوزارية التي ستمثل الشمال، وضرورة إدراك التعقيدات الهوياتية السنية في "شمال المواجهة".

فما هو مقبول في بيروت قد يكون شرارة غضب جماهيري واسع في طرابلس، يُعقّد عمل الحكومة، خصوصاً عندما يكون الكلّ متربّصاً تبيان خيطها الأبيض من الأسود كي تُستلّ السيوف من أغمادها، بما فيها "سيف دمشقي" يمتشقه الحريري "فتى السنّة الأغرّ" في عكار وإلى حدّ ما عاصمة الشمال وما بينهما.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة