مقالات

بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا

غزة اليوم تقف وحدها ترش الملح على جرحها وتلتهم صراخ الألم. تضع على وجهها مساحيق الصبر لأنها عزيزة النفس ولا تريد شفقة القريب ولا البعيد بعد أن جاعت لوحدها وذُبحت أيضا لوحدها وقضم البرد من أطرافها وأكلت النار أولادها.. نعم غزة اليوم على طرفي نقيض، أحدهما بارد حتى الموت والآخر يشتعل حرارة أيضا حتى الموت..

غير أنها لا زالت شامخة كالطود وسط بحر هائج أمواجه القاسية تتلاطمها من كل جانب.. تدفع بيديها قذيفة هنا وصاروخ هناك ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، في محاولات لحماية ما تبقى من أشجارها، بحرها، ساحلها، خيام أولادها.. تهمس للريح أن تترفق حين تعصف بالأقمشة الممزقة التي يحتمي تحتها الأطفال، أطفال البرد والنار، أطفال التراب، أطفال العطش والجوع، أطفال العوز والحاجة...

فأخبروني عن مدينة تجتمع بها كل تلك المواصفات.. مدينة اجتمعت أسلحة العالم بترسانتها القذرة المتوحشة، المعلنة منها وغير المعلنة من المدافع والقذائف بأنواعها إلى الرشاشات والقنابل والطائرات والصواريخ، عليها في محاولات لاكتشاف جينات الصمود والقوة والثبات التي جُبلت عليها...

فأي مدينة أنت يا غزة وأي أناس أولئك الذين يستوطنون قلبك ويتجذرون عميقا فيه؟

غزة يا أم الفقير واليتيم والمقاوم والمرابط.. أيتها الكنعانية العربية.. يا شرف العالم ووجهه المشرق الجميل.. غزة يا وجعي وقهري وعنوان القصائد والمساجد والآيات العظام...

غزة يا قاهرة الأعداء والمتواطئين والخائنين والطغاة وقاصمة ظهورهم وكابوسهم المرعب..

غزة يا من هزمت كل الغزاة من الهكسوس إلى الفرس فاليونان والرومان.. يا من ازدانت أرضك فكان لها شرف أول بلد دخله المسلمون الأوائل أثناء فتوحاتهم في خلافة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر الصديق. وازددت شرفا بأن كنت مسقط رأس الإمام الكبير الشافعي رضي الله عنه وأرضاه...

غزة يا أرض الرباط والمقاومة، اثبتي لأجل من يقاتل ويدفع مهرا لك الروح والجسد، اثبتي لأجل أبطال المقاومة الذين يصلون الليل بالنهار لتبقي شريفة عزيزة.. اثبتي لأجل المغاوير الذين تربوا في أحضانك ولم ينسوا المعروف.

اثبتي يا غزتي فما بعد العسر إلا اليسر وما بعد الضيق إلا الفرج وما بعد المرض إلا الشفاء.. وأنت ستخرجي قريبا معافاة وتنتفضي كطائر فينيق من أسفل رماد هذه الحرب، ولسوف ينهزم الغزاة ويندحر وتكون أرضك مقبرتهم، من "نتنياهو" إلى "ترامب" إلى كل الخونة من العرب والغرب بإذن الله...

اثبتي يا غزتي فالنصر آت من تحت الركام ومن تحت كل حجر، من دموع الأمهات وصراخ الأطفال.. من فوق الأرض ومن تحتها لا بد أنه آت...