بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
على مر تاريخ البشرية والإنسان يعيش في مجتمعات يترأسها رئيس واحد، وظيفته جمع شملها وإصلاحها ومنع قويها عن ضعيفها وضبط نظامها وحمايتها من الأعداء، لا استعبادها.
وقد قالت العرب سابقا 'لولا قوة الراعي لهلكت الرعية'. فالله تعالى لم يخلق أحدا يستطيع بلوغ حاجته بنفسه دون الاستعانة بالآخر، وهذه صبغة لازمة في الطبائع. فكل واحد هو مكمل للآخر، والجميع أمره عائد إلى ذلك الرئيس 'الراعي'. وكلما كان صالحا وقويا وعادلا كلما صلحت رعيته.
والراعي الصالح يتحتم عليه أن يكون عونا في إصلاح التائه والضال من رعيته. كما أن للرعية دور كبير في صلاح الراعي، فحين يخطئ يجد من يصوبه. ولنا في حادثة المرأة مع الخليفة رضوان الله عليه عمر بن الخطاب دليل على ذلك عندما خطب بالناس عن عدم المغالاة في مهور النساء، فقامت إحدى النساء وقالت ' يا عمر يعطينا الله وتحرمنا أنت.... فقال رضي الله عنه' أصابت امرأة وأخطأ عمر'.
وهكذا فإنه حينما يكون الراعي صالحا فسيصلح أمر هذه الأمة والعكس صحيح.
ولكن المصيبة الكبرى تكمن حينما يكون الراعي مأجورا، غريبا عن رعيته وطباعها وعاداتها، لأنه لن يهتم يوما لسلامتها ولا لإصلاحها ولا لحمايتها، بل إننا سنجده ينام متعمدا تاركا إياها هائمة على وجهها، فلا يعرف متى خرجت ولا كيف تاهت أو من منها باتت في خطر، ومن منها استقوى عليها الذئب فأكلها، لأنه هو لا يريد أن يعرف.
وحين يستيقظ تكون تلك الرعية المسكينة تحت رحمة سياط ظلمه وتجبره، وبهذا فإنه من الطبيعي أن تتشتت الرعية وتنقطع بها السبل.
واليوم تعيش الشعوب العربية واقع الراعي الفاسد المأجور والرعية المستكينة لسوطه. فبعد "سايكس بيكو" وتقسيم الإرث العثماني، وقعت عيون المستعمر على حكام، قاموا بتنصيبهم على تلك المزق "دويلات" المتبقية من ذلك الإرث بعد تربيتهم على أمرين، قمع الشعوب لصالح ذلك المستعمر وفي المقابل منحهم الرفاهية والكراسي المغرية.
ثم اشتغل بنفس طويل على استخدام كافة الطرق والوسائل والمخططات الخبيثة على تجهيل تلك الشعوب، حتى فسدت بالفعل. ومثلما تكونوا يُوّل عليكم، فأصبحت الشعوب صورة لمن يحكمهم. ففسد الرئيس والمرؤوس.
ففي حين يتمسك طغاة الكراسي بكراسيهم، نجد الشعوب تتمسك بالأمن المزيف الملطخ بالعار والذل.
فتقف متفرجة كالبلهان على ما يحصل أمامهم من إبادة لأخوة لهم وقهر وإذلال، قد يحزن الواحد منهم قليلا ثم لا يلبث أن يشيح بوجهه بعيدا عما يشاهد، ويركن إلى ما تربى عليه وأعجبه "الهدوء الخداع المؤقت" لأن تلك الصورة النمطية التي رسمها له الاستعمار وهي صورة السوط المسلط فوق رأسه، ترهبه حين يتخيل لسعته المؤلمة.
لذلك نجده يرفض تهشيم تلك الصورة التي صُنعت له خصيصا ليظل مقيدا بسوط الطاغي، فيزداد بذلك ذلال على ذل.
فمنذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وهو يعتاد مشهد القتل والدم والإرهاب إلا من رحم ربي، ولسوف يظل على اعتياده حتى يأتي اليوم الذي "ينال فيه كما يقال من الحب جانب".
فالسماء فوق رأسه لم تعد مأمونة وخاصة بعد دخول منظومة "ثاد" الأمريكية للخدمة والتي تم نشرها مؤخرا في دولة الاحتلال، بالإضافة إلى "باتريوت" وغيرها من المنظومات التي تعمل ليلا نهارا من أجل التصدي للصواريخ والمسيرات التي تنطلق من محاور المقاومة، بهدف الوصول إلى دولة الاحتلال وضرب أهداف حيوية فيها، حيث ستسقط تلك الصواريخ وخاصة البالستية منها والفرط صوتية، ناهيك عن المسيرات التي سيتم اعتراضها فوق الرؤوس المستكينة والتي تتراءى صورة السوط لها صباحا مساء.
فعمت مساء وأسعدت صباحا أيتها الشعوب التي ستهلك يوما على يد راعيها المأجور.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..