بوابة صيدا
عندما تصل حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس جيرالد آر فورد"، الأكبر في العالم، إلى البحر الكاريبي، سيكون ذلك إيذانًا باستكمال أكبر تعبئة عسكرية أمريكية منذ حرب العراق. فقد تمركز نحو 10 آلاف جندي في المنطقة، مدعومين بعشرات السفن الحربية والغواصات والمقاتلات، ومئات الصواريخ بعيدة المدى، وكلها تبدو موجهة نحو الرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو".
تشير تقارير إلى أن البيت الأبيض والبنتاغون وضعا سلسلة من الخيارات العسكرية ضد النظام في كاراكاس، تشمل هجمات مباشرة على مادورو أو عمليات للسيطرة على حقول النفط. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمح مرارًا إلى أن ضربات برية وشيكة، فيما شجع وزير خارجيته ماركو روبيو على تغيير النظام بالقوة.
خيارات عسكرية مطروحة
الولايات المتحدة كثفت بالفعل عملياتها ضد مهربي المخدرات في المنطقة، وأسفرت عن مقتل أكثر من 75 شخصًا. ويعتقد محللون أن أي توسع للعملية قد يشمل ضرب قواعد عسكرية، مختبرات كوكايين، مدارج سرية، ومعسكرات للمتمردين. ويُتهم مادورو بأنه شخصية محورية في شبكات تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة.
في آب / أغسطس الماضي، أعلنت المدعية العامة "بام بوندي" أن مادورو "لن يفلت من العدالة"، مضاعفة المكافأة على اعتقاله إلى 50 مليون دولار.
حشد غير مسبوق
مع وصول حاملة الطائرات "جيرالد آر فورد" ومجموعة القتال المرافقة لها، نشرت واشنطن 5 آلاف بحار و75 طائرة هجومية وداعمة، بينها مقاتلات F-18. كما أرسلت مؤخرًا 10 مقاتلات شبح F-35 وثلاث طائرات مسيّرة MQ-9 إلى بورتوريكو، حيث يتمركز 5 آلاف جندي أمريكي. إضافة إلى قاذفات B1 وB2 القادرة على حمل قنابل خارقة للتحصينات، وسفن وغواصات تحمل نحو 500 صاروخ "توماهوك" بعيد المدى.
ثلاثة سيناريوهات محتملة
1. غزو بري على غرار بنما (1989)
كما حدث مع الجنرال "مانويل نورييغا"، قد تفكر واشنطن في عملية برية لاعتقال مادورو. لكن فنزويلا أكبر بكثير من بنما، وتفتقر الولايات المتحدة لوجود قواعد عسكرية أو دول مجاورة صديقة يمكن استخدامها كنقاط انطلاق. أي عملية إنزال أو تسلل جوي ستكون محفوفة بالمخاطر، خاصة مع وجود جيش فنزويلي قوامه أكثر من 100 ألف مقاتل موالين لمادورو.
2. قصف جوي بعيد المدى على غرار ليبيا (2011)
الخيار الأكثر ترجيحًا هو حملة قصف جوي وصاروخي تستهدف الدفاعات الجوية الروسية الصنع S-300، ومدارج الطائرات، والموانئ المستخدمة في تهريب المخدرات. لكن، بخلاف ليبيا، لا توجد معارضة قوية جاهزة لتولي السلطة بعد سقوط النظام، ما يجعل مرحلة ما بعد الضربات أكثر تعقيدًا.
مخاطر وتداعيات
يرى خبراء أن أي تدخل عسكري أمريكي قد يعيد سيناريو "حروب الموز" في الكاريبي خلال القرن العشرين، لكنه يحمل مخاطر كبيرة من حيث الخسائر البشرية وعدم وجود خطة واضحة لإدارة مرحلة ما بعد مادورو. ويقول محللون إن البيت الأبيض قد يجد نفسه أمام "مستنقع جديد" يشبه حروب الشرق الأوسط، لكن هذه المرة في الجوار المباشر للولايات المتحدة.
3. إرسال الجواسيس (مصدق، إيران 1956)
منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) إذنًا بتنفيذ عمليات قاتلة في فنزويلا، في إطار محاولات واشنطن للإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو. تاريخيًا، استخدمت الولايات المتحدة جواسيسها لإثارة المعارضة والميليشيات في دول تسعى للتخلص من قادتها، كما حدث في إيران عام 1956 حين تعاونت الـCIA مع الاستخبارات البريطانية MI6 للإطاحة برئيس الوزراء "محمد مصدق" بدعم من قيادات عسكرية منشقة.
لكن الوضع في فنزويلا يبدو أكثر تعقيدًا. يقول الباحث "كريستوفر ساباتيني" أنه "لا توجد حركة تمرد ضد مادورو"، معتبرًا أن إعلان ترامب العلني عن عمليات سرية "يعكس ضعفًا ما"، مضيفًا: "ليست سرية إذا أعلنتها، لكنها رسالة تهدف إلى بث الخوف في نفوس المحيطين بمادورو لدفعهم إما إلى التخلي عنه أو التفكير في إنقاذ أنفسهم".
حتى الآن، لا توجد مؤشرات على استعداد الموالين لمادورو للانشقاق أو الإطاحة به من الداخل. ومع ذلك، لم تتوقف واشنطن عن محاولات تبدو أقرب إلى سيناريوهات أفلام التجسس. فقد أمضى أحد العملاء الأمريكيين 16 شهرًا يحاول إقناع طيار مادورو الشخصي بتحويل مسار طائرته لتمكين السلطات الأمريكية من اعتقاله. كما زعمت حكومة فنزويلا مرارًا أنها اعتقلت أجانب، معظمهم أمريكيون، بتهمة محاولة اغتيال الرئيس أو الإطاحة به.
في العام الماضي، كُشف عن شبكة تجسس أمريكية سرية أُرسلت إلى فنزويلا لبناء قضايا تتعلق بتهريب المخدرات ضد قادة النظام. مادورو اتهم ترامب سابقًا بأنه أمر باغتياله عبر طائرات مسيّرة محمّلة بالمتفجرات. وفي كانون الأول / ديسمبر 2023، أُفرج عن عشرة رهائن أمريكيين في صفقة توسط فيها جواسيس أمريكيون.
كما أظهرت محاكاة عسكرية أجرتها الإدارة الأمريكية عام 2019، خلال ولاية ترامب الأولى، أن أي محاولة لإسقاط مادورو قد تنتهي بحرب أهلية دامية بين عصابات المخدرات ومتمردين مناهضين للولايات المتحدة. وكتب المستشار في البنتاغون "دوغلاس فراه"، الذي شارك في التمرين، أن استقرار الوضع سيتطلب نشر عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين، متسائلًا: "هل ستدخلون العاصمة التي تضم ملايين السكان؟ هل ستؤمّنون الموانئ؟ وهل ستتجهون إلى المناطق النائية والحدود الكولومبية حيث ستواجهون ما يصل إلى 4000 مقاتل مدججين بالسلاح يقاتلون منذ 60 عامًا؟".
(المصدر: جو بارنز، مراسل الشؤون الأوروبية في صحيفة تلغراف)