نخلة عضيمي ـ نداء الوطن
وصلت الأمور إلى حد المواجهة المفتوحة ومن دون ضوابط في ملف انتخابات المغتربين، وانكسرت الجرة نهائيًا بين الرئيس نبيه بري والقوى المؤيدة لانتخاب المغتربين للـ 128 نائبًا عشية الجلسة التشريعية التي ستعقد الثلثاء المقبل في حال تأمن النصاب.
وتؤكد المعلومات أن بري ماض في المواجهة حتى النهاية، حتى وصل به المطاف للحديث عن محاولات لعزل طائفة. ولكن لماذا خوف «الثنائي» الشيعي المريب من صوت المغتربين؟
يقول الخبير الانتخابي جان نخول «إن هناك خوفًا لدى «الثنائي» من عملية انقلابية اغترابية. فالمرة السابقة لم يكن التغييريون في إطار تجييش الأصوات لمرشح شيعي مما أدى إلى إيصال نائب أرثوذكسي وآخر درزي في دائرة الجنوب الثانية».
ويضيف نخول: «هناك خوف أن تجرى هذه المرة عملية تجييش للأصوات لتصب في مصلحة مرشح شيعي خارج عباءة «الثنائي»، مما سيؤثر على النائب علي حسن خليل والنائب حسن فضل الله. ويعتبر أن هناك خوفًا في دائرة بعبدا إذ بدلًا من أن تكون المعركة على المرشح الماروني الثاني تأتي الأصوات لتصب في مصلحة المرشح الشيعي المعارض، بما معناه أن بري و»حزب الله» يخافان من لعبة احتيال عليهما في المناطق التي يمكن الحصول فيها على مقعد شيعي».
ويعتبر نخول أن هناك تقريبًا مناصفة من حيث الأصوات بين المسلمين والمسيحيين في الاغتراب مع وجود 70 ألف ماروني و45 ألف شيعي و45 ألف سني وأن هناك أصواتًا شيعية صوتت بدليل وجود 8 نواب من «حزب الله» و «أمل» من بين أكثر النواب الذين حصلوا على أصوات تفضيلية في الاغتراب من بينهم نبيه بري وأمين شري وحسن فضل الله إذ حصلوا على أصوات وازنة».
بالتوازي، يكشف مصدر اغترابي لـ «نداء الوطن» عن غضب عارم في بلدان الانتشار من محاولات إقصاء المنتشرين، ويستذكرون حجم المشاركة الشيعية في انتخابات عام 2022 ومشهد الطوابير في برلين حيث اصطف منذ الساعة السابعة صباحًا أكثر من 1500 ناخب شيعي اقترعوا لحركة «أمل» و «حزب الله». ويتساءل المصدر: لماذا الهلع والفزع هذه المرة؟
المغتربون يرفعون الصوت
يعتبر رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين - الفرنسيين أنطوان منسى أن السلطة تضحك على الاغتراب مؤكدًا «وجود 950 ألف شخص غادروا لبنان بعد حركة تشرين 2019 والأحداث التي تلتها، معظمهم من أهل الجنوب والضاحية وبيروت، ونسبة المسلمين أكبر من نسبة المسيحيين». ويذكّر بأنه «بقي 25 يومًا فقط على انتهاء مهلة التسجيل وأنه لا يتوقع تغيير القانون المتعلق بالنواب الستة إلا إذا جرت أمور استثنائية حيال ذلك، وإذا كان الانتخاب وفق الستة نواب، فأين هي الآلية؟
ويضيف منسى أن «المنتشرين اتخذوا قرارًا كي لا يصادر صوتهم وكي لا يتكرر مشهد ما حصل في انتخابات 1992 عندما فاز المرشح بالمقعد النيابي بـ 40 صوتًا. والقرار يقضي بالطلب من المنتشرين الذين حسموا عدم توجههم إلى لبنان للإدلاء بأصواتهم أن يقوموا بتسجيل أسمائهم فورًا، ومن يريد النزول إلى بيروت عدم تسجيل اسمه بانتظار ما يمكن أن يحصل في الأسابيع المقبلة.
ويكشف منسى أن التسجيل ضعيف جدًا وأن سفير لبنان في فرنسا أرسل رسالة صوتية يشجع فيها اللبنانيين على التسجيل، فنسبة المسجلين في فرنسا كانت مرتفعة وحاليًا لم يتسجل سوى 2000 إلى 2500 شخص فقط».
ويؤكد منسى «إذا حصلت الانتخابات في الخارج، سيشارك المغتربون، إن كان الوضع لاختيار الـ 128 نائبًا أو حتى حصر أصوات الاغتراب بالستة نواب». ويحذر: «إذا رح يصير معركة على الستة النواب رح نشهد أم المعارك ولن يقدم الاغتراب النواب الستة على صحن من فضة فليعلموا ذلك في لبنان».
قلق «الثنائي»
في انتخابات 2022، بلغ عدد المقترعين المغتربين نحو 142 ألف ناخب من أصل أكثر من 225 ألف مسجّل.
التحليل العددي يظهر أن بعض الدوائر التي يهيمن عليها «الثنائي» قد تشهد تغييرًا في التوازن إذا ارتفع عدد المقترعين المغتربين في الدورة المقبلة من 142 ألفًا إلى ما يقارب 180 ألفًا.
ففي دائرة صور – الزهراني مثلاً، الحاصل الانتخابي يقارب 18 ألف صوت. حصول أي لائحة معارضة على خمسة آلاف صوت إضافي من الخارج قد يقلّل هامش الأمان التقليدي للائحة «الأمل والوفاء» إلى أقل من 10 %.
وفي دائرة بنت جبيل – مرجعيون – حاصبيا التي تضم النائبين حسن فضل الله وعلي حسن خليل، فإن القاعدة المقيمة المضمونة لـ «الثنائي» تقدّر بنحو 20 إلى 22 ألف صوت لكل نائب، لكن أي تحوّل في أصوات الاغتراب بنسبة 10 إلى 15 % نحو لوائح بديلة يمكن أن يُضعف هذا الثقل، خصوصًا في حال ارتفاع المشاركة العامة.
في المحصلة، الخوف ليس من عدد المغتربين بقدر ما هو من تحوّل نوعي في وعيهم السياسي. فهؤلاء الذين اختبروا دولًا ديمقراطية وأنظمة شفافة، بدأوا ينقلون إلى صناديق الاقتراع اللبنانية ما اكتسبوه من ثقافة مساءلة ومحاسبة.
بالنسبة إلى «الثنائي» الشيعي، المعركة المقبلة لن تكون فقط على الأرض بل في مطارات العالم وصناديق البريد، حيث سيُكتب فصل جديد من الصراع بين الولاء الأعمى والحرية السياسية مهما كان الثمن.