بوابة صيدا
كلمة النائب السابق مصباح الاحدب القاها في افطار يوم الجمعة 28 / 3 / 2025 في طرابلس
صاحب السماحة اصحاب السيادة اصحاب المعالي والسعادة.
أيها الحضور الكريم
اهلاً وسهلًا بكم جميعا فكلكم عزيز وكريم وأنتم أهل الدار..
اهلا وسهلا بكم في مدينتكم طرابلس مدينة نصرة المظلوم، مدينة الكنائس والمساجد، مدينة كل لبناني حر يؤمن بان لبنان وطن نهائي لكل ابنائه، يعود رمضان هذا العام بخيرعظيم..
فبعد سنوات من التعطيل والتمديد للفراغ وإحكام محور الممانعة قبضته على البلد ومؤسساته ومنع انتخاب رئيس سيادي حر، سقط المحور الذي حكم البلد بكذبة توازن الرعب مع اسرائيل وورطنا بحرب لم يقررها اللبنانيون ولا ناقة ولا جمل لهم فيها، بل خاضها لحسابات اقليمية دفعنا ثمنها غاليا من قتلى و دمار و تهجير.
اليوم تحرر لبنان وأصبح لدينا رئيس جمهورية سيادي وطني نثق بعزمه على بناء لبنان الجديد، وأصبح لدينا رئيس حكومة هو قاض نظيف غير ملوث بالفساد باختصار لا يشبه السابق ولا الاسبق ولا أسبق الاسبق، وهذا يكفينا، وفهمكم كفاية.
وأصبح لدينا خطاب قسم وبيان وزاري أعادا الثقة والامل إلى نفوس اللبنانيين ببناء الدولة كونهما تضمنا طرح موضوع حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية وتحرير اللبنانيين من حكم الميليشيات والسلاح المتفلت الذي شتت البلد وضرب مؤسساته ولا يمكننا الحديث عن بناء بلد فيما السلاح لا يزال بيد حزب الله وافرعه المسلحة على مختلف الأراضي اللبنانية، أو أي فريق مسلح آخر لأي طرف كان.
فمبادرة الشيخ سامي الجميل للمصالحة والمصارحة هي مبادرة مشكورة كم نحن بحاجة لها وهي ضرورية كونها نقطة ارتكاز يبنى عليها لترميم العلاقة بين مكونات الوطن وتجاوز الخلافات والانقسامات الحادة بيننا تمهيداً للاتفاق على رؤية موحدة لبناء وطن نتمثل فيه جميعا بعدالة ونعيش فيه تحت سقف الدستور والقانون.
فمن الضروري ان نتفق على صيغة جديدة تؤسس لإعادة بناء لبنان جديد قادر على مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجيا الحديثة فنحن في القرن ال٢١ وفي عصر الذكاء الاصطناعي وعلينا ان نغلب الكفاءة على الزبائنية ولا يجوز ان نبقى في عصر المناكفات الطائفية وضرب وحدة أبنائنا ومستقبلهم بخلافات ومخاوف تاريخيّة.
ان طرابلس التي استهدفت وظلمت ما زالت رغم كل ما أصابها هي أكثر مدينة لبنانية متمسكة بلبنان وهي خط الدفاع الأخير عن التعددية في لبنان وقد اثبت اهلها ذلك في مختلف المحطات التي مرت على البلد.
لذلك علينا المصارحة...
اليوم ثمة من يطرح أفكاراً مختلفة حول موضوع السلاح ويبرر تأجيل نزعه، تارة عبر طرح حوار وطني، وطوراً بشكل تدريجي بحجة ان هناك طائفة تعتبر نفسها مذبوحة ومستهدفة ولا يمكن نزع سلاحِها حاليا.
صحيح أن الطائفة الشيعية مذبوحة اليوم ولكن ذلك حصل بسبب سلاح الاحزاب التي ورطت لبنان بحرب لمصالح اقليمية، واول من دفع ثمنها الشيعة في لبنان وما يجري اليوم في الضاحية ليس الا تأكيدا على ما نقول فما زال الشيعة يدفعون ثمن الضربات المتتالية على مناطقهم بسبب عدم سحب سلاح حزب الله،
لذلك فان حمايتهم لا تكون بإعادة تعويم هذه الأحزاب التي تريد الإبقاء على سلاحها لتسيطر على الداخل اللبناني بل تقتضي بسحب السلاح من يد الثنائي الإيراني لان حمايتهم كباقي اللبنانيين يجب ان تكون عبر مؤسسات الدولة الأمنية، فالشعب اللبناني لم يقرر يوما أن يتخلى عن جيشه ويكلّف الحزب الايراني بالدفاع عنه.
اما سحب السلاح جنوب الليطاني لإرضاء المجتمع الدولي والتأجيل والمراوغة بسحبه على باقي الأراضي اللبنانية فهذا سيفسح المجال أمام الحزب الإيراني لكسب الوقت وبناء قدراته وإحكام قبضته المسلحة على الشيعة من جديد وعرقلة مساراعادة بناء الدولة في لبنان.
واذا كان القرار هو بإزالة السلاح تدريجيا لتفادي مواجهة مع الحزب، فلنبدأ بالتدريج فما المبرر لبقاء السلاح المتفلت بيد أفرع حزب الله وغيرها من مجموعات مسلحة في طرابلس و الشمال لغاية الآن مثلا؟
سلاح حزب الله لم يكن فقط سببا لذبح الشيعة في الحرب الأخيرة، بل سبق أن ذبح الكيان اللبناني برمته وبكل طوائفه وفكك مؤسسات الدولة واغتال رفيق الحريري واجتاح بيروت في السابع من أيار المشؤوم وأوصلنا إلى اتفاق الدوحة وكلنا دفع ثمن هذا السلاح بطريقة أو بأخرى، فدخلوا على المسيحيين وأوهموهم ان سلاح الحزب سيؤمن لهم الحماية عبر تحالف الأقليات من خطر التمدد السني وبهذا التحالف جاءوا بالرئيس ميشال عون وعبره احكموا قبضتهم على الدولة و مؤسساتها و على السلطة واصبح المسيحي في لبنان خارج القرار وصدق من قال: "اعطونا الرئاسة واخذوا الجمهورية".
أما بالنسبة للسنة فما حصل هو ان الثنائي المسلح الذي هيمن على الدولة ترجم عمليا ما قاله مؤخرا المرشد الأعلى للثورة الإيرانية عبر منصة اكس
"ان حربهم هي على اليزيدين حتى يوم الدين" اي نحن السنة.. فاستبعدوا الأحزاب و العائلات وتعاملوا مع مجموعات شعبوية مسلحة اشتروا ولاءها وذممها بالمال وحموها عبر المؤسسات الأمنية واستعملوها لتعيث فسادا وتفتعل الاشكالات وترهب أهلنا لتطويعهم ومصادرة قرارهم وشيطنتهم، بل وشيطنة كل من يطالب بالعدالة ويقف بوجه حلفائهم بمحور الممانعة والفساد،
حرمونا من الإنماء فأصبحت مناطقَنا الأفقر في لبنان ثم قاموا بحملة لإقصائنا من مؤسسات الدولة والقاضي حمزة شرف الدين الموجود بيننا وثق مئات المراكز التي اقصي السنة عنها في مؤسسات الدولة. وأسّسوا مجموعات داعشية وحموها وبحجتها ركبوا ملفات الارهاب لشبابنا عبر أجهزة الدولة الأمنية وعبر المحكمة العسكرية وهذه الامور أيضا موثقة والمحامي محمد صبلوح موجود معنا اليوم وقد خاض معارك كثيرة ،وما زال ، مع القضاء والأجهزة الامنية لفضح ممارساتهم الاجرامية بحق شبابنا المظلوم ولديه مئات الحالات التي وثقها وأبلغ عنها المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان.
فمن مارس الذمية في لبنان ليس نحن السنة كما يقول البعض بل الفريق المسلح الذي أخذ الجمهورية مقابل مراكز وصفقات أعطاها لحلفائه الفاسدين أي تحالف السلاح والفساد من كل الطوائف.
اما بالنسبة لباقي الطوائف فحدث ولا حرج فقد أُقصوا أيضا عن مؤسسات الدولة ونحن في طرابلس معنيون بمكون أساسي في مدينتنا وهو الطائفة العلوية التي في ظل عملية وضع اليد على الدولة بحجة تحالف الأقليات لم يحصلوا العلويون على أي مركز في الدولة ولا على وظائف و كأنهم ليسوا أقلية لا بل تعرضوا مع السنة في طرابلس إلى أكثر من ٣٠ جولة عنف طائفية مفتعلة انتهت بقرار سياسي ب٢٤ ساعة سفكت فيها دماؤهم كما سفكت دماؤنا، ومنذ 2016 دفعهم الوضع الامني إلى التقوقع في ghetto في منطقة جبل محسن وهذا لم يحصل يوما في تاريخ طرابلس إذ كانوا دوماً من نسج المدينة الاجتماعي و كانوا يتواجدون في كل انحاء المدينة.
أيها السادة نحن في لبنان كلنا أقليات والحل لا يكون الا بمصالحة نلتقي بها جميعا على راية بناء دولة المواطنة وليس على دولة توزع مواطنيها على فئات أولى وثانية وثالثة فحمايتنا تكون عبر دولة تحمي مواطنيها الى أي طائفة انتموا (كما قال بالأمس المطران سويف: الوحدة بالتعددية) فليحافظ كل منا على خصوصيته ولنتحد تحت سقف دولة واحدة تحمينا بنفس الحقوق على تنوعنا وليس دولة تحمي ميليشيات بحجة حماية طوائفهم.
أيها الحفل الكريم،
وبالمصارحة نقول لا يمكن بناء بلد والقضاء لا يحكم بالعدل وعدد الموقوفين في السجون هو ٨٢٪ من عدد السجناء و المحكومين ١٨٪ وهذا باعتراف وزير الداخلية السابق. واليوم مثلًا تم تأجيل جلسة لموقوف الى شهر 11 وقد مر 7 رؤساء محاكم عسكرية خلال 9 سنوات ولم يبت احد منهم بملفه حتى اليوم.
فهل هناك ظلم أكثر من ان تسجن شباباً في ريعان العمر سنوات عدة بتهم مشرفة هي الثورة على نظام الاسد المجرم.
هذا الملف يجب أن يقفل كي تتحقق العدالة
اننا نثمن زيارة رئيس الحكومة إلى طرابلس وإعلانه العمل على حل ملف المساجين ولكن كنا نتمنى منه ان يطلع ممن حمل هذا الملف من محامين و ناضلوا لإنصاف المسجونين المظلومين لسنوات، فالحل يجب ان يكون ضمن خطة شاملة وعادلة على قاعدة العدالة الانتقالية المعترف بها دولياً.. فهناك مثلا مساجين تم زجهم في اقبية السجون اكثر من عشر سنوات ثم حكموا بالبراءة، ماذا سنقول لهم الا يجب الاعتذار منهم ومن أهل المدينة التي اتهمت زوراً لسنوات بالإرهاب، واين العدالة ان لم تقدم لهم التعويضات هذا الملف يجب أن لا يقفل من دون محاكمة الاجهزة الامنية المسؤولة عن تركيب ملفات الإرهاب لشبابنا واتهامهم زورا بالإرهاب والتطرف ومحاكمة كل قاض مقصر.
ايها الحضور الكريم
نخشى اليوم على العهد والـحكومة من الاستمرار بسياسة المساومات التي يقوموا بها مع قوى الأمر الواقع لأنها لا تحظى بأي رضى شعبي داخلي ولا موافقة خارجية، ان أنصاف الحلول خطوة خطرة، و تحالف الفساد و السلاح غير الشرعي سيمتص قوة الدافع لدى السلطة الجديدة ثم ينقلب عليها.
فالمساومة مع الفاسد او السلاح غير الشرعي على الاصلاح، او غض النظر عنه، خطيئة كبيرة وثمنها خِسارةُ ثقة الداخل والخارج.
الا ترون ما يحاك في الشارع لأسقاطكم لأنكم تمثلون التغيير؟.
الم تشاهدوا الحملات المسعورة التي شنت ضدكم لشيطنة زيارة رئيس الحكومة إلى الشمال وافراغها من جوهرها؟. نحن ابناء هذا البلد وعايشنا المنظومة التي حكمت البلد ونعرف جيدا مكرها وخُبثها وشراستها وإرهابها، وهي بدأت تلتف حول نفسها وتعيد تنظيم صفوفها وتستعد للانقلاب عليكم وعلى العهد. فيما أنتم لا تزالون تفاوضونهم وتراعون مصالحهم وتستمرون بسياسة التجاهل والإقصاء والابعاد بحق المدينة وأهلها لعدم استفزازهم، وهذا الأمر لن يأتي بالتغيير. التغيير يحتاج إلى اقتلاع الفساد من جذوره.
الفرصة اليوم ما زالت سانحة لذلك، ويجب أن نستغلها والا سنخسر لبنان الذي نريد وسيعود الفاسدون إلى الحكم ولن ينفعنا الندم.
ايها الحضور الكريم ..
لست خائفا على طرابلس من أهلها فبذرة الخير متأصلة فيهم بمختلف اطيافهم ومشاربهم ولكنني خائف على أهل طرابلس من بعض من نصبوا انفسهم قادة عليها مستغلين الفقر والعوز الذي أصاب أهلها، متسلحين بخطاب الغرائز بعد ان نشروا الجهل في إحياء كثيرة منها وتعاملوا مع اهلها كسلعه يبيعونهم ويشترونهم "حسب ما بدو السوق" وهذا ما قالوه علنا من دون ان يخجلوا بذلك.
ايها الحضور الكريم
ان المنطقة التي نعيش فيها تتغير، أنظمة تسقط وأخرى تتصدع فمن غير المقبول أن تستمر الدولة بسياسات القهر و التهميش بحق مناطقنا فننتظر من العهد الجديد ومن حكوماته ان يتعامل مع مناطقنا كمدماك أساسي لصون وحدة لبنان الكبير.. فالكلام المطمئن الذي نسمعه لم يعد ينفع لان ما يجري يدفع أهلنا إلى الشعور بالغبن والاضطهاد وان لبنان لا يريدهم.
الثورة في سوريا انتصرت وحكمت... وحكومات العالم تطبع مع النظام الجديد، في حين ان من ناصر الثورة لا يزال مسجونا في لبنان، وبعضهم بملفات مفبركة وبتهم مركبة من أجهزة أمنية فاسدة عميلة لأجندات اقليمية.
عندما نرى اليوم أهالي المسجونين اللبنانيين يتواصلون مع الحكومة السورية الجديدة لتتوسط مع السلطة اللبنانية للإفراج عن أبنائهم فهذا بسبب التأخر من قبل حكومتهم بتحقيق العدالة لذويهم و لان السلطة في لبنان ما زالت خاضعة لبعض القضاء والأمن الذي يعرقل اطلاق سراح المسجونين و يؤجل ويراهن على سقوط النظام الجديد في سوريا ؟
وهذا يفتح الباب امام سعي المضطهد الى الاستقواء بالخارج وهذا ما نرفضه ونخشاه ويجب التنبه له وعلاجه يكون بالأفعال و بالانفتاح على اهل البلد وبناء مصالحة جدية معهم،
هذه أمور يجب ان تتوقف لأن لبنان ليس ببعيد عن ارتدادات هذه التحولات في المنطقة، وهذا البلد ولد ليكون تعدديا جامعا لكل مكوناته، ويجب ان يكون ملاذا آمنا لكل اطيافه دون استثناء. فالتطرف من أي فريق كان يوصل بلبنان إلى الهاوية
والرهان اليوم على العهد الجديد و على فخامة الرئيس بان يحصن لبنان بسياسة جامعة لكل أطيافه تحت سقف الدولة العادلة وان يحافظ على التعددية فيه عبر المساواة والمواطنة، وان يضع حداً للسياسات البائدة الهدامة والاقصائية التي وان يضع أسس صلبة نجتاز بها هذه المرحلة الخطيرة التأسيسية التي تمر بها المنطقة، والا ستدمر الصيغة اللبنانية وعندها سنتشتت وسيصبح لبنان مكانا للحروب والمواجهات..
وختاما اقول: لقد آن الأوان ان يحكم وطننا اخيارنا..آن الأوان لمحاسبة المتاجرين بدمائنا وحقوقنا وامننا